بقلم - عماد الدين حسين
«الوضع الاقتصادى اللى علينا من وراء مواقفنا السياسية، وفيه مرات تلقينا رسايل تقول: امشوا معنا فى موضوع القدس، ونحن نخفف عليكم».
هذه الكلمات قالها الملك عبدالله الثانى بن الحسين عاهل الأردن خلال لقائه مع كبار الإعلاميين الأردنيين، قبل حوالى أسبوع فى أعقاب المظاهرات الشعبية ضد قانون ضريبة الدخل الذى يزيد الأعباء على غالبية المواطنين، وكذلك قرارات رفع أسعار العديد من السلع.
لفت نظرى أن عبارات الملك جرى تداولها وإعادة نشرها والاحتفاء بها، من قبل قطاعات واسعة من الرأى العام العربى، رغم أنه يفترض أنها بديهية جدا، وكما يقولون هى «من المعلوم من السياسة بالضرورة فى المنطقة»!
الشىء الجديد الوحيد فيها، هى أن الملك عبدالله جهر بها ولم يكتمها. الملك لم يزعم أو يدع فى يوم من الأيام أنه يقف علنا ضد أمريكا أو إسرائيل. علاقته بالولايات المتحدة متينة جدا وورثها عن والده الراحل الملك حسين، كما أنه تربى هناك، وثقافته وطريقة نطقه للإنجليزية توحى بذلك. ثم إن الأردن سارعت إلى توقيع اتفاق وادى عربة عام ١٩٩٤ مع إسرائيل بعد شهور قليلة من توقيع اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ما كشف عنه الملك عبدالله علنًا قبل أيام، هو جوهر السياسة الأمريكية الغربية مع المنطقة العربية منذ سنوات. الفارق البسيط أن بعض السياسيين الغربيين كانوا محترفين، بحيث أنهم يفعلون ذلك بطريقة هادئة وبسيطة وخفية ولا تحرج أحدا بصورة سافرة، لكنها تحقق الغرض. فى حين أننا وصلنا الآن إلى حالة غير مسبوقة من «البجاحة المختلطة بالفجاجة وأحيانا الوقاحة» من قبل بعض المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين. كان آخر تجلياتها، ما قاله مستشار ترامب للأمن القومى جون بولتون «إن الرئيس الكورى الشمالى توسل راكعا ألا نلغى القمة معه فى سنغافورة»!
قبلها فإن غالبية ما قاله ترامب نفسه عن نظرته لعرب الخليج، تشير بلا لبس إلى أننا وصلنا إلى مرحلة الابتزاز المكشوف.
الجديد أيضا أن الحكومة الأردنية كانت تتفهم فى مرات كثيرة وجهة النظر الأمريكية الإسرائيلية، لكن أن يصل الأمر بالملك للشكوى العلنية، فالمعنى الواضح أن حجم الضغوط وصل إلى مرحلة غير مسبوقة، ولا يمكن تحمّلها.
مرة ثانية، الولايات المتحدة والغرب جربوا سلاح الضغط والابتزاز دائما للحصول على نتائج سياسية.. وهم ماهرون فى هذا الملف. ومن يعتقد أن حركة الاستثمارات الدولية ومشروعات الشركات الكبرى خارج حدودها تتم عفو الخاطر، أو نتيجة حسابات اقتصادية فقط، فهو ساذج أو واهم، وكذلك العديد من اتفاقيات مؤسسات التمويل الدولية مع هذه الدولة أو تلك.
لكن إذا كان كل ما سبق بديهيًا، فالسؤال الصحيح هو: كيف يمكن للأردن وبقية بلدان المنطقة أن يتصدى لهذا الضغط والابتزاز؟!.
ما فعله الملك عبدالله كان عين الصواب حينما جمَّد أو أجَّل أو ألغى القرارات الاقتصادية، حتى يتم امتصاص الغضب الشعبى. وما فعلته السعودية بدعوتها إلى قمة مكة التى ضمت أيضا الإمارات والكويت مع الأردن لمساعدة الأردن كان تحركا ذكيا وموفقا، لأن استقرار الأردن مصلحة عربية وخليجية. لكن كل ذلك تحركات مؤقتة ويبقى السؤال الجوهرى: كيف تصمد الأردن ومصر والخليج وبقية الأمة العربية فى وجه الطلب الأمريكى الإسرائيلى الفج بالتنازل عن القدس، وغالبية فلسطين فى إطار ما يريده ترامب فى صفقة القرن؟
الإجابة أن يدرك العرب أن «الحداية لا تحدف كتاكيت»، وأن ترامب جاء ليخدم الأساطير التوراتية الإسرائيلية، والحل أن يتم التعامل معه بنفس منطقه، وأن هناك فارقا كبيرا بين الحرص على علاقات طيبة مع أمريكا وبين الانبطاح الكامل لكل أوهام اليمين الصهيونى. وبالطبع فلن يستطيع قادة المنطقة مواجهة أمريكا وإسرائيل من دون دعم شعبى لن يتحقق إلا بالعدل والعدالة الاجتماعية والتنوع والتوافق الوطنى.
على القادة العرب أن يدرسوا بعناية كيف تعاملت أوروبا والصين وكندا مع غطرسة ترامب فى قمة السبع الاقتصادية قبل أيام. وقتها سيدركون أن هناك إمكانية للتصدى للضغوط ليس فقط على الأردن ولكن على كل المنطقة العربية، لكن هل قادتنا العرب جاهزون لذلك؟! عليكم التريث قبل الإجابة!.
المصدر :االشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع