غالبية المستثمرين ورجال الأعمال فى مصر لديهم انطباع عام بأن مجالات العمل أمامهم محدودة، وأن الجانب الأكبر من الأعمال يذهب إلى القوات المسلحة عبر جهاز مشروعات الخدمة الوطنية.
هذا الانطباع تسمعه حينما تلتقى مع أى مستثمر أو رجل أعمال، وبغض النظر عن مدى صحة هذا الانطباع، إلا أنه يترك آثارا ضارة على حركة الاقتصاد.
ولذلك سعدت كثيرا بالإشارة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى صباح يوم الخميس الماضى خلال افتتاح المشروع القومى لإنشاء 100 ألف فدان من الصوب الزراعية بجوار قاعدة محمد نجيب العسكرية فى مدينة الحمام بمرسى مطروح.
الرئيس قال: هل هذا المشروع ينافس القطاع الخاص أم لا؟! وأجاب على السؤال: «إن القطاع الخاص يأخذ من ثلاث إلى أربع سنوات على الأقل لكى يؤسس مثل هذه المشروعات، فى حين أن القوات المسلحة تنجز الأمر بسرعة. لكن الصوب صارت جاهزة وعلى القطاع الخاص أن يتقدم ويشارك ويتاجر وينتج».
بعد نهاية كلمة الرئيس فى خيمة الاحتفال وأثناء التجوال معه، تحدثت مع أحد كبار المسئولين، فقال إن المجال مفتوح للقطاع الخاص لكى يستثمر فى هذا المجال، أو المجالات الاستراتيجية المشابهة، لكنه لا يفعل، لأن عائد مثل هذه المشروعات يتأخر كثيرا وبالتالى تتصدى الدولة والحكومة والقوات المسلحة للامر تحقيقا للأمن القومى للبلاد.
المسئول قال لى، إن تكلفة الفدان من الصوب تبدأ من 2 مليون وتصل إلى 3.5 مليون جنيه، ولا يسترد المستثمر أمواله إلا بعد سبع سنوات، إذا كانت الصوبة عالية الجودة، وقد تستمر إلى عشرين سنة إذا كانت صوبة عادية.
بالطبع أتمنى أن يتقدم القطاع الخاص ويقتحم هذا المجال أكثر، خصوصا أن هناك تجارب مبشرة وناجحة ولكنها تحتاج إلى الدعم والتشجيع، باعتبارها قطاعات حيوية، ويصب فى صميم الأمن القومى لمصر.
أعود إلى حفل افتتاح المشروع القومى للصوب، وأكرر ما ذكرته هنا قبل شهور طويلة حينما تم افتتاح مشروع المليون فدان فى الفرافرة وبدء حصاد القمح منه لاحقا. يومها قلت إنه مشروع قومى عملاق، حينما يكتمل.
واليوم أكرر نفس الكلام المشروط عن المشروع الذى انطلق من قاعدة محمد نجيب فى مطروح، إضافة إلى ثلاثة مواقع أخرى هى العاشر من رمضان وأبوسلطان والقنطرة شرق، كمرحلة أولى تشمل عشرين ألف فدان وتوفر نحو 40 ألف فرصة عمل يومية.
هذا مشروع فى غاية الأهمية عندما يكتمل، وأرجو ألا يصيبه الروتين والتأخر الذى أصاب مشروع استصلاح واستزراع المليون فدان.
فى هذا اليوم استمعت إلى كلمات وأفكار ممتازة مثل الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة فى الرى والاستزراع والتربة البديلة والتى توفر مياها تصل إلى 70% أحيانا ومبيدات 50% إضافة إلى زيادة الإنتاج بنسب تصل إلى سبعة أضعاف الزراعة المكشوفة، كما أنه يتحدى أى تغييرات مناخية.
على سبيل المثال فإن فدان الطماطم فى الأرض المكشوفة يحقق 25 طنا بعد 90 يوما ويحتاج إلى 3600 متر مكعب من المياه، فى حين أنه فى الصوب العادية ينتج 60 طنا بعد 75 يوما ويحتاج 1800 متر مكعب، أما فى الصوب عالية الجودة والتكنولوجيا فإنه ينتج 150 طنا بعد 75 يوما ولا يتكلف إلا 200 متر مكعب من المياه.
بالطبع تكلفة تأسيس الصوبة عالية جدا، كما ذكرنا سابقا، لكن الأمر يشبه الاعتماد على الطاقة الشمسية، فهى قد تكون أكثر تكلفة فى المرة الأولى، لكنها على المدى البعيد أوفر كثيرا وأكثر أمانا والأهم بلا أضرار بيئية. ويزداد الأمر أهمية فى مسألة الصوب، مع الانخفاض المتوقع فى ما يصلنا من مياه النيل مع بدء عمل سد النهضة الإثيوبى.
مرة أخرى التوسع فى مشروعات مثل الصوب الزراعية، أمر فى غاية الأهمية، لأنه مشروع أمن قومى من الدرجة الاولى، ولن يعترض أحد إذا انفقنا المليارات على مثل هذه المشروعات، طالما أنها سوف توفر لنا الغذاء بأسعار أقل وتوفر لنا الدولارات التى ندفعها للاستيراد.. المهم أن تكتمل وتتوسع.
نقلا عن الشروق القاهريه