بقلم: عماد الدين حسين
لا أعرف اليوم أو الطريقة التى أصبت فيها بكورونا، ظهرت علىّ أعراض تشبه إلى حد كبير أعراض الأنفلونزا ودور البرد العادى.
أزعم أنى مواطن ملتزم بأقصى درجات التباعد الاجتماعى وارتداء الكمامة، ولم أتعامل مع الأمر بتقصير واستهتار منذ بدأ هذا.
يوم الخميس وقبل الإحساس بالأعراض، كنت أسير فى منطقة عابدين، قابلت صنايعية كثيرين وتناقشت معهم، وطوال الوقت كنت مرتديا الكمامة. ثم مر يوم الجمعة عادى وقضيته فى المنزل من دون شعور بآلام مختلفة.
فى اليوم الأول وهو السبت ذهبت سيرا على الأقدام للعديد من المشاوير من وكالة البلح إلى سوق التوفيقية ومنها عودة للسيدة زينب، ولم أشعر بآلام صعبة.
فى يوم الأحد، ذهبت لجريدة «الشروق». وبعدها فى اليوم التالى لم يكن هناك أى إحساس بأعراض خطيرة، بل استمرار لنفس الإحساس بدور البرد. لذلك ذهبت إلى جلسة مجلس الشيوخ يوم الإثنين. ثم حضرت بعدها انتخابات تشكيل لجنة الثقافة والسياحة والإعلام والآثار.
مساء اليوم نفسه الإثنين بدأت أفقد تدريجيا حاستى الشم والتذوق، وفى هذه اللحظات بدأت أدرك أننى وقعت فعليا فى مصيدة وقبضة كورونا.
أجريت مسحة أنا وزوجتى نهال لطفى يوم الإثنين، ثم ذهبنا لإجراء أشعة مقطعية على الصدر، وعدنا إلى المنزل فى انتظار النتائج. وبدأنا نتلقى العلاج على أساس أننا مصابان بكورونا، باعتبار أن بروتوكول العلاج صار معروفا للجميع، والأهم أنه صار متوافرا فى معظم صيدليات الجمهورية.
فى يوم الثلاثاء تلقيت نتيجة المسحة وكانت إيجابية لى ولزوجتى. وفى نفس الليلة تسلمت الأشعة المقطعية على الصدر، وتوجهنا بها فورا لطبيب متخصص، وصار خبيرا بارزا فى الفيروس وتطوراته ومسئولا عن أحد مستشفيات العزل.
الطبيب وبمجرد أن شاهد الأشعة قال لى: الفيروس هاجمك من فترة واقتحم الرئة، لكن حالة زوجتى والحمد لله كانت أفضل كثيرا.
أن تقرأ فى أى مجال شىء، وأن تعايشه بنفسك شىء مختلف. قرأت الكثير عن كورونا وأحواله فى العالم أجمع.
حينما أصبت وبعد أن استمعت إلى الطبيب أدركت تماما أن الإصابة بكورونا ليست مشكلة كبيرة أو خطيرة، طالما كان المصاب لديه مناعة قوية، والأهم أن يتم اكتشافها مبكرا جدا قبل أن تهاجم الرئة.
ربما الإيحاء النفسى مهم جدا، ولذلك بدأت أشعر فعلا بالخوف، وأن الأمر ليس مجرد أيام عادية وتمر.
الطبيب كتب لى أنواعا كثيرة من العلاج مختلفة الألوان والأشكال، وتحدث بكل علم وخبرة وشرح لى طبيعة الأيام المقبلة، وضرورة الالتزام بالعلاج وطريقة النوم والمأكولات وأهمية المشروبات خصوصا الساخنة وتناول الفاكهة والخضراوات والليمون والزنجبيل.
الدكتور وحينما قاس لى درجة الأكسجين فى الدم كان ٩٥٪، وقال لى طالما أن النسبة لا تقل عن ٩٢٪ فالأمر جيد ومسيطر عليه، ولذلك عليك أن تشترى مثل هذا الجهاز ليكون بجانبك طوال الوقت، وتقوم بقياس النسبة كل نصف ساعة على الأكثر.
فى المسافة من عيادة الطبيب المحترم فى الهرم، كنت أفكر فى طبيعة الأيام المقبلة، وكيف سأتمكن من التعايش مع كورونا.
وفى الطريق ذهبت إلى الصيدلية، وفوجئت أن هناك كمية أدوية كثيرة جدا ما بين زنك وفيتامينات ومضادات حيوية ومنع تجلط وفوار والمطلوب منى أن أتناولها فى مواعيد مختلفة تشمل كل أوقات اليوم تقريبا.
دخلت البيت صابرا ومتقبلا وسائلا المولى أن تمر التجربة والأزمة بأقل الأضرار.
فى هذه الليلة فإن كل ما أعرفه عن نمط حياتى الطبيعى قد بدأ يتغير، لا طعم للأكل أو حتى الماء فى فمى، الصداع غير طبيعى، وإحساس دائم بالدوخان، لكن الزائر الصعب جدا هو الكحة والإحساس بأن «النفس مكروش» ومش قادر آخذ نفسى بسهولة.
ظل الأمر مستمرا بنفس السوء لمدة خمسة أيام كاملة، وبعدها اكتشفت أننى وقعت ضحية جهاز أكسجين مغشوش. كان يمكن أن يكلفنى حياتى حرفيا. وتلك قصة ينبغى روايتها حتى لا يقع فيها آخرون، وحتى تتحرك الأجهزة المختصة لمتابعة الذين يبيعون هذه الأجهزة المغشوشة أو التى لا تعمل بكفاءة.
فى هذه الأيام الصعبة اكتشفت كنز الناس الجدعان من كل الأصناف والأشكال من مواطنين عاديين وبسطاء وأقارب إلى مسئولين كبار فى جهات مختلفة بالدولة خصوصا وزارة الصحة ومجلس الوزراء وأصحاب مستشفيات مختلفة عامة وخاصة وأصدقاء بلا حصر خصوصا زملاء المهنة. وأتمنى أن يأتى الوقت لأتحدث عن جميلهم ومعروفهم بالتفصيل.