بقلم: عماد الدين حسين
لأن الحياة السياسية عندنا تشهد غالبا استقطابا شديدا، فإنه لا يوجد لدى معظمنا، إلا اللونان الأبيض والأسود. وهكذا فإن مجلس النواب السابق، إما إنه كان ملاكا بأجنحة يشبه الكونجرس أو البرلمانات الأوروبية، أو شيطانا رجيما، لم يفعل شيئا سوى التطبيل للحكومة!!
هذه ليست وسيلة موضوعية بأى معيار من المعايير. تقييم هذا البرلمان لا بد أن ينطلق من النظر إلى الظروف التى سبقت انتخابه وأحاطت به أثناء ممارسة عمله طوال السنوات الخمس الماضية.
هذا المجلس تم انتخابه بعد فراغ تشريعى كامل منذ عام ٢٠١٢، حينما تم حل محل الشعب بحكم من المحكمة الدستورية العليا. ولم يتبق وقتها إلا مجلس الشورى الذى انتخب مع مجلس الشعب فى خريف ٢٠١١. وبعد ثورة ٣٠ ونيو ٢٠١٣ تم حل مجلس الشورى، الذى كان يهيمن عليه الإخوان والسلفيون. ومن ٢٠١٣ وحتى انتخاب مجلس النواب فى أوائل عام ٢٠١٦، كان الرئيس المؤقت عدلى منصور يصدر قرارات بقوانين.
جاء المجلس السابق، وكان مطلوبا منه أن يراجع ويصدر أكثر من ٣٤٢ قرارا بقانون خلال أول ١٥ يوما من انعقاده، وإلا تم اعتبارها باطلة.
طبقا لتقرير أصدرته الأمانة العامة لمجلس النواب التى كان يترأسها المستشار محمود فوزى فإن المجلس السابق، عقد ٣٧٢ جلسة عامة، وافق خلالها على ٨٩١ قانونا، بواقع ١٠٥٥٦ مادة و٣٠٨ اتفاقيات دولية.
وفيما يتعلق بالدور الرقابى، فقد بلغ عدد البيانات العاجلة ١٢٧٨ وطلبات الإحاطة ٦٠٠٨ والأسئلة ٤١٣٣ والاقتراحات برغبة ٣١٨٨، إضافة إلى ٢٠٠ طلب مناقشة عامة.
لا يمكن إغفال أن برلمان ٢٠١٥ ــ ٢٠٢٠ عمل فى إطار تهديدات وجودية أحاطت بمصر من أول التهديد الإرهابى الداخلى والخارجى، وصولا إلى التهديدات المباشرة الآتية من ليبيا وتركيا وإثيوبيا. ثم إن هذا المجلس هو الذى ساهم فى تمرير برنامج الاصلاح الاقتصادى تشريعيا.
هذا هو الجانب الإيجابى للمجلس، لكن هناك جانبا سلبيا لا يمكن إغفاله، ولا بد أن يكون جرس إنذار للمجلس الجديد.
الجانب السلبى هو أنه فشل بصورة كبيرة فى ممارسة دوره الرقابى على الحكومة، بحيث تصل رسالة للمواطنين بأن هذا المجلس يعبّر عنهم فعلا.
ربما هى المرة الأولى فى تاريخ البرلمانات المصرية، التى لا يشهد فيها أحد المجالس إلا استجوابا واحدا للحكومة.. وكان من النائب محمد الحسينى لوزيرة الصحة د. هالة زايد عن حالة مستشفى بولاق الدكرور.
نعم كان هناك طلبات إحاطة وبيانات وأسئلة، لكن معظمها لم يبعث رسالة الدور الرقابى للمجلس على الحكومة.
لا أريد أن أجلد المجلس السابق فى هذه النقطة، لأنه مرة أخرى لا بد من النظر لمجمل الصورة، والظروف المحيطة، حينما نقيم أداء المجلس.
لكن الرأى العام لا يجد إلا هذا المجلس ليحاسبه على مجمل الأداء.
هل من المعقول ألا يستجوب المجلس طوال خمس سنوات الحكومة، إلا مرة واحدة.
جزء كبير من الصورة السلبية تكون نتيجة الإخراج السياسى السيئ للعديد من القوانين، خصوصا التنازل عن تيران وصنافير أو عدم محاسبة بعض الأعضاء المنفلتين، وإسقاط الحصانة عنهم، والانتصار لمن ثبت أنه يستحق دخول المجلس بحكم من محكمة النقض مثل حالة الدكتور عمرو الشوبكى.
ظنى الشخصى أن الدكتور على عبدالعال لعب دورا كبيرا ومهما فى قيادة هذا المجلس وسط أجواء عاصفة بمساعدة مهمة من الأمين العام المستشار محمود فوزى الذى قال فى خطاب استقالته للمستشار حنفى جبالى رئيس المجلس: «لكل إدارة متطلباتها.. حاولت القيام بواجبى فى ظروف عمل دقيقة وسياق استثنائى وتوقيتات زمنية ضاغطة».
فوزى قامة قانونية جبارة أتمنى أن نستفيد منها. كما أتمنى أن يستمر الدكتور على عبدالعال ويمارس دوره داخل المجلس، لأن قيمة الناس لا تتحدد بالمنصب بل بالدور والمساهمة والتأثير.
وظنى الشخصى أن المجلس الجديد عليه أن ينظر إلى السلبيات التى أثرت على صورة المجلس السابق حتى يتفاداها، كى يكسب ثقة جموع المصريين ويمارس دوره الرقابى على الحكومة مثلما تفعل كل البرلمانات الطبيعية فى العالم.