بقلم - عماد الدين حسين
الرسالة الأساسية التى تصل إلى أى متابع أو مراقب للتطورات السياسية والانتخابية خلال الأيام الماضية، هى أن هناك قضايا يبدو أنه لم يحن وقت مناقشتها بعد، ليس فقط سياسيا ومجتمعيا، بل حتى لو تم مناقشتها عبر المنافسات الانتخابية التى يفترض أن يحسمها الشعب بالتصويت لهذه الفكرة أو تلك.
أول قضية فى هذا الصدد هى إعادة دمج واستيعاب جماعة الإخوان فى المشهد السياسى مرة أخرى. من الواضح أن غالبية القوى السياسية المدنية وقطاعات شعبية كبيرة ما تزال ترفض هذا الأمر. ورئيس الجمهورية رفض الفكرة تماما قبل ان يعلن ترشحه خلال كلمته يوم الجمعة الماضى، رابطا بين عودة الإخوان وغياب الأمن والاستقرار.
ما يساعد على صعوبة مناقشة الموضوع، أن الجماعة لم تقدم أى بادرة لمراجعة أفكارها أو ممارساتها ولم تقم بإدانة العنف والإرهاب فى سيناء، بل إن جماعات كثيرة محسوبة عليها تتباهى وتسارع إلى تبنى عمليات إرهابية متعددة.
يوم الاثنين الماضى سارعت قيادات وكوادر كثيرة فى الجماعة إلى تأييد ترشح سامى عنان لانتخابات الرئاسة، لكن الذى كان ملفتا للنظر أكثر، أن القيادى الإخوانى المعروف يوسف ندا طرح على عنان ستة شروط لكى تقوم الجماعة بتأييده، ومنها تطهير الشرطة والقضاء والإفراج عن المسجونين، أما أغرب شرط فكان أن «يستأذن عنان ــ حال فوزه ــ من الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسى» وأتصور أن هذه المسارعة فى الاصطفاف والتأييد كانت «قبلة الموت لعنان».
الملفت أيضا أن الجماعة لم تقرأ حقيقة المشهد حتى هذه اللحظة، لأنها تسارع بفرض الشروط وليس لمحاولة استغلال أى ثغرة ومراجعة مواقفها وافكارها وسياساتها كى تعود للساحة مرة أخرى.
القضية الثانية هى النشاط الاقتصادى للقوات المسلحة. صحيح أن البعض ناقشها بصورة أو بأخرى، قبل ذلك وصحيح أن رئيس الجمهورية تحدث عنها أكثر من مرة قائلا إن حجمها لا يتجاوز ٢ أو ٣٪ من النشاط الاقتصادى للبلاد، لكن من الواضح أن المناقشة الواسعة والشاملة لهذا الملف سوف تستغرق وقتا لا نعرف مداه.
القضية الثالثة أن من يتصور أن إجراء الانتخابات الرئاسية بين أكثر من مرشح يعنى بالضرورة اكتمال الممارسة الديمقراطية والإيمان بفكرة التعددية وتداول السلطة فهو بالضرورة لا يدرك حقيقة الواقع فى مصر أو المنطقة عموما. هذا الواقع يقول إننا للأسف الشديد بعيدون بمسافة كبيرة عن الديمقراطية بمفهومها الغربى، ونحتاج وقتا لا نعرف مداه لكى نسير على أول هذا الطريق شرط أن نبدأ بالفعل.
المنطقة العربية بأكملها تعرضت لزلزال كبير وعنيف بدءا من نهايات عام ٢٠١٠، ما حدث فى رأيى كانت ربيعا عربيا حقيقيا خرجت فيه الجماهير للمطالبة بحقها فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة والمحترمة، لكن للاسف الشديد نجحت قوى الظلام والتطرف فى ركوب موجته وسرقته وكان ما كان.
القضية الرابعة أن الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية المدنية غائبة بصورة فادحة وفاضحة عن الساحة وهذا الغياب يؤدى بالضرورة إلى العديد من الأمراض والفيروسات التى تصيب المجتمع بأكمله. وأتصور أن تحرك الأحزاب كى تلعب دورها مقرونا بعدم عرقلة الحكومة لذلك، قد يكون بداية فعلية للخروج من أزمتنا، هذا الامر سيقضى على معظم الأخطار، فى إطار محسوب من الحفاظ على الأمن القومى للبلد.
الحكومة وأجهزتها لا يمكنها أن تدير الأمور بهذه الطريقة، هى فى حاجة إلى تكاتف أكبر قدر من قوى المجتمع الحية، خصوصا أن التحديات والأخطار التى تواجهها كثيرة ومتنوعة من الداخل والخارج
نقلا عن الشروق القاهريه