فى كل تعديل أو تغيير وزارى جزئى أو موسع أو شامل كتبت تقريبا فى هذا المكان فكرة أساسية خلاصتها أن المهم هو السياسات والمناخ العام قبل الحديث عن الأشخاص الذين خرجوا أو الذين دخلوا.
نفس الفكرة أعيد التأكيد عليها اليوم بعد موافقة مجلس النواب على تعديل جزئى جرى يوم الأحد دخل بموجبه أربعة وزراء جدد للثقافة والسياحة والتنمية المحلية وقطاع الأعمال العام، إضافة إلى نائبين لوزيرى الصحة والإسكان.
تخيلوا لو أننا أتينا بأفضل العقول والخبرات والكفاءات، لكن لم نوفر لها المناخ الملائم للعمل، أو لم نوفر لها الإمكانيات والموارد والأجواء الملائمة. فهل ستتمكن هذه الشخصيات من النجاح؟!.الإجابة هى لا وألف لا، ليس فى مصر فقط، بل فى كل بلدان العالم تقريبا.
أعرف جيدا وزير الثقافة الصديق والكاتب الصحفى حلمى النمنم الذى غادر الوزارة منذ عام 1990 تقريبا، وأعرف الوزيرة الجديدة الصديقة إيناس عبدالدايم منذ سنوات. النمنم بذل جهدا كبيرا فى حدود الإمكانيات المتاحة، لكن الأمر لا يتوقف على جهد الوزير فقط، بل على عوامل كثيرة ليست كلها فى يده، من أول صراعات الموظفين، نهاية برغبات هيئات وجهات أخرى.
وبالتالى فعلى الدكتورة إيناس أن تتأكد من وجود المناخ الملائم للنجاح، حتى لا تتكرر العقبات التى واجهت حلمى النمنم.
أعرف جيدا أيضا وزير السياحة يحيى راشد، ويحسب للرجل أنه تمكن من إعادة جزء كبير من السائحين الذين انخفضت أعدادهم بشدة فى أعقاب سقوط طائرة الركاب الروسية فوق وسط سيناء فى نهاية أكتوبر 2015. المعدلات الآن تكاد تقترب من مستوياتها فى موسم الذروة عام 2010. لكن المشكلة التى واجهت راشد هى الصراع المستمر مع كبار المستثمرين فى غرفة السياحة، وانتخابات الغرفة، الأمر الذى جعل العلاقة بينهما تكاد تكون شبه مستحيلة.
الوزيرة الجديدة رانيا المشاط أعرف أنها عقلية اقتصادية بارزة، وكانت تتولى منصب وكيلة البنك المركزى لسنوات طويلة، قبل مغادرتها إلى صندوق النقد الدولى فى واشنطن قبل شهور، سجلها حافل فى السياسات النقدية والمالية، ويسأل كثيرون عن علاقة تخصصها بالسياحة، وهى ابنة أستاذ العلوم السياسية المعروف والمحترم الدكتور عبدالمنعم المشاط.
أعرف جيدا الوزير هشام الشريف الذى غادر وزارة التنمية المحلية. الرجل له سجل نجاحات حافل فى كل المواقع الذى تولاها، خصوصا حينما كان رئيسا لمركز معلومات مجلس الوزراء، ووضع مع آخرين حجر الأساس للبنية المعلوماتية التى تم استخدامها لاحقا فى مجالات كثيرة. لكن الواقع صعب جدا فى المحليات، أغرق العديد من الوزراء السابقين، وبالتالى فالسؤال الذى ينبغى أن يفكر فيه الوزير الجديد والصديق اللواء أبوبكر الجندى هو: كيف سيفلت من هذه الدوامة؟!.
مؤهلات الجندى متنوعة، وأدار الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بكفاءة منقطعة النظير، خصوصا فى التعداد العشرى الأخير، ويقرأ كل كبيرة وصغيرة فى مجاله وكل ما يهم الوطن، وصديق لمعظم الإعلاميين. لكن أيضا مشكلة هذه الوزارة أنها نتاج لكل تراكمات الفشل والإخفاق والتقصير طوال عقود. حل مشاكل المحليات يحتاج إلى موارد كثيرة جدا، وكفاءات متنوعة والأهم محاربة الفساد بصورة منهجية، وهى تحديات لن يحلها الوزير بمفرده، بل تحتاج إلى منظومة متكاملة من كل أجهزة الدولة. وبالتالى أتمنى أن تكون الأمور واضحة أمام اللواء الجندى، وأن يسعى إلى تحقيق أهداف محددة، ويمكن قياسها وأن يشعر بها الناس، وليس السعى وراء الشعارات الكبيرة التى تحتاج إلى وقت طويل وظروف مختلفة.
وزير قطاع الأعمال الجديد خالد بدوى لا أعرفه للأسف، كما لم أعرف الوزير المغادر أشرف الشرقاوى بصورة جيدة.
إذا القضية مرة أخرى هى السياسات والرؤى والإمكانيات والظروف والأجواء. لا يعنى ذلك أننا ننكر أى دور للفروق الفردية بين الأشخاص، ولكن نؤكد أننا لو استحضرنا روح «ايرهارد» الألمانى لإدارة حقيبة فى المجموعة الاقتصادية المصرية، فلن ينجح إلا إذا تغيرت الظروف الموضوعية.
أخيرا.. كل الشكر والتقدير للوزراء الأربعة الذين خرجوا، وكل التمنيات بالتوفيق للوزراء والنواب الجدد.
نقلا عن صحيفه الشروق القاهري