بقلم: عماد الدين حسين
من الذى يستطيع أن يفسر لنا سر تناقض أردوغان الشديد بشأن إسرائيل؟!.
يوم الجمعة الماضى قال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، إن بلاده ترغب فى إقامة علاقات أفضل مع إسرائيل، وأن المحادثات والعلاقات على المستوى الاستخبارى مستمرة بين الجانبين.
قبل هذا التطور الواضح فإن أردوغان كان يعلن ليل نهار عداءه الشديد لإسرائيل.
قمة التناقض لدى الرئيس التركى، حينما قال قبل أسابيع، إنه قد يقطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، لأنها أقدمت على إقامة علاقات مع إسرائيل!!.
يومها قال له كثيرون: ولماذا لا تقطع أنت العلاقات مع إسرائيل أولا، ومع أى دولة تقيم علاقات معها، وبعدها يمكنك أن تقطع العلاقات مع الإمارات؟!!!.
قبل تصريحات أردوغان الأخيرة، كان العديد من أركان نظامه قد وجهوا غزلا مكشوفا لإسرائيل، ثم كشف بعض المسئولين الإسرائيليين عن أن العلاقات بين البلدين على أرض الواقع أفضل من جيدة، ولا تعكس التوتر اللفظى على مستوى المسئولين.
يومها عرفنا أن حجم التبادل التجارى بين البلدين ينمو باستمرار ولا يتراجع، وأن هناك آمالا بأن يرتفع حجم التبادل التكنولوجى إلى عشرة مليارات دولار فى المستقبل القريب.
عرفنا أيضا أنه قبل أن تبدأ دول الخليج فى إقامة العلاقات مع إسرائيل، فإن تركيا، كانت هى الباب الخلفى لهذه العلاقات، حيث إن العديد من الشركات التركية، كانت تتولى تصدير العديد من البضائع الإسرائيلية إلى الخليج عبر أسماء تركية، بل إن هناك تحالفا تركيا يسعى للفوز بصفقة إدارة أحد الموانئ الإسرائيلية الكبرى.
هذا هو الواقع على الأرض، علاقات «سمن على عسل» بين البلدين، لكن أردوغان كان يوجه خطابا حماسيا مختلفا لأنصاره فى تركيا وخارجها، خصوصا من الحالمين بالخلافة، أو السلطنة التى سيقودها أردوغان.
الرئيس التركى صار محترفا فى هذا الخطاب المزدوج. يوجه كلمات قاسية، وتهديدات لإسرائيل، لكنه على أرض الواقع يقيم معها علاقات طيبة.
هذه «التقية» التى يتقنها أردوغان وصلت ذروتها فى 30 يناير عام ٢٠٠٩ حينما اشتبك أردوغان، وكان وقتها رئيسا للوزراء مع الرئيس الإسرائيلى الأسبق شيمون بيريز فى إحدى جلسات مؤتمر دافوس الاقتصادى، وبحضور عمرو موسى، هو أوهمنا بأنه انسحب من المؤتمر احتجاجا على السياسات العدوانية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وللأسف فإن معظمنا صدق ذلك بل وخرج آلاف الأتراك يومها لاستقباله فى إسطنبول باعتباره الناصر صلاح الدين. لكن الحقيقة كشفها قبل أسابيع قليلة مستشاره أحمد داود أوغلو، بعد أن صار معارضا.. حيث عرفنا أنه ترك الجلسة قبل نهايتها بدقيقة واحدة، ليس احتجاجا على العدوان، بل لأنه لم يحصل على حق التعقيب. والاخطر، وهذا هو المهم، فإنه كلف مستشاره أوغلو بالاتصال ببيريز فى نفس اليوم، والاعتذار له عما حدث. ونفس الأمر تكرر تقريبا فى حادث «أسطول الحرية والسفينة مافى مرمرة» فى 2010. سحب سفيره من تل أبيب ثم أعاده مقابل تعويضات مالية!!.
للأسف الشديد فإن «جمهور الترسو» المعجب بأردوغان، لا يعرف ذلك وإذا عرف، فإنه لن يصدق.
لكن كلام أردوغان الأخير، بأنه يأمل فى علاقات أفضل مع إسرائيل، يفترض أن يوقف هذا التناقض الصارخ، والضحك على ذقون السذج من أنصار حزب العدالة والتنمية والمخدوعين فى بعض البلدان العربية.
نفهم أن هناك مستفيدين من نظام أردوغان، ولا سبيل أمامهم سوى الادعاء بتصديقه، لكن ماذا عن المصدقين له والمخدوعين به فعلا؟!
الدائرة تضيق على أردوغان، والرقص المستمر على كل الحبال، لابد أن ينتهى قريبا مع ضرورة وضوح كل الأطراف. ولن يكون بمقدور أردوغان بعد الآن الادعاء، بأنه يواجه إسرائيل. ولم يعد يكفى قوله إنه يعارض السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. كل الدول التى أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ عام ١٩٧٧، وحتى هذه اللحظة تقول ذلك، لكنها على الأقل لا تتبجح بأنها ستحرر فلسطين!.
المطلوب فقط أن يفيق المخدوعون والسذج والبسطاء، الذين ما يزالون يصدقون أنه سيحرر فلسطين، فى حين أنه يرسل جنوده ومرتزقته فقط إلى ليبيا وسوريا والعراق وناجورنوكراباخ.
نحتاج فى أمتنا العربية والإسلامية، أن نتخلص من هذا «التهريج والبطولات الوهمية والدون كيشوتية»، التى تارة تتدثر بشعارات قومية أو إسلامية، فى حين أنها أفضل من يخدم إسرائيل ومشروعها الاستيطانى، سواء كانوا يعلمون، أو لا يعلمون!.