بعد ظهر الجمعة الماضى ذهبت أنا وأسرتى إلى معرض القاهرة للكتاب، وهناك قضيت أكثر من ٥ ساعات.
مطالعة عناوين الكتب الجديدة، خصوصا لمن تحب من المؤلفين متعة خالصة. بل أذكر أننى اشتريت أكثر من نسخة من كتب بعينها حرصا على أن يقرأها أكبر عدد من الأصدقاء، أو لأن «الأصدقاء أنفسهم سرقوها أكثر من مرة»!! مثل رواية البحث عن وليد مسعود «لجبرا إبراهيم جبرا» أو دواوين محمود درويش، أو الخيميائى لباولو كويلو!!!.
المشهد المفرح جدا فى معرض الكتاب أن تجد أسرا بكاملها هناك، مع غلبة العنصر الشبابى، يسألون عن عناوين كتب بالعربية أو الإنجليزية، وجهود الناشرين الذين يتحملون جميع المصاريف، من أول الانارة، مرورا بالأنشطة المختلفة مثل التلوين والرسم على الأسفلت، نهاية بإيجار القاعات.
الزحام كان شديدا، لكن يصعب حصر عدد الزائرين بصورة حقيقية.
سألت المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة «الشروق» عن معدلات القراءة، فقال إن الملاحظة الإيجابية أن الشباب يقرأون كثيرا، وهم الفئة الأكبر التى تشترى، وتقف فى طوابير طوابير لتحصل على توقيع الكاتب عند صدور كتب جديدة سواء كانت سياسية أو أدبية.
دخلت جناح دار الشروق فوجدت النائبة أنيسة حسونة توقع كتابها الملهم «بدون سابق إنذار» عن تجربتها مع السرطان. وبعد دقائق كان الأديب الكبير يوسف زيدان يستعد لتوقيع بعض أعماله الجديدة ووقع لى مشكورا على ثلاثة كتب، وكانت معه الكاتبة والأديبة فاطمة ناعوت. وقبلهم كان عبدالله السناوى يوقع كتابه «أحاديث برقاش..هيكل بلا حواجز»، كما مر على الجناح السياسى الكبير عمرو موسى بصحبة المهندس المعلم، حيث تحتل مذكراته «كتابيه» صدارة الكتب السياسية الجديدة بأكثر من طبعة. ووقع على كتبه فى الشروق أيضا أو يفترض أن يوقع كل من اللواء أسامة المندوه «خلف خطوط العدو» وعبدالعظيم حماد «صحوة الموت»، وأسامة غريب وأحمد سمير ورجائى عطية.
داخل جناح الشروق أصيبت عيناى بـ«الزوغان والزغللة والاندهاش» من كثرة الكتب والعناوين المتميزة لكبار نجوم الكتابة فى مصر والوطن العربى، فى غالبية فروع المعرفة من الأدب إلى السياسة، ومن الفكر إلى التراث، ومن المذكرات إلى العلم. وكانت أفضل هدية حصلت عليها، بعض العناوين الجديدة مجانا، ومنها كتب الصديق المبدع والمهذب الدكتور محمد المخزنجى.
فى الماضى كان يقال إن الكتب الدينية فقط تسجل المبيعات المرتفعة، لكن غالبية الفروع تبيع بنسب كبيرة أيضا خصوصا كتب الاطفال. وعندما سألت مسئولا فى دار نشر كبرى جدا قال لى إن المبيعات تتحسن للعالم الثانى على التوالى، رغم الأزمة الاقتصادية التى تشهدها البلاد.
من سوء الحظ أن أخطاء صغيرة فى المعرض تسىء إلى صورة عامة جيدة جدا وتتكرر منذ عشرات السنين. على سبيل المثال النظام شبه منعدم والطرق غير ممهدة ومتربة ولا توجد لافتات إرشادية ظاهرة، وهو أمر لا يحتاج إلى إمكانيات بل لحد أدنى من الجدية والإرادة مع أهم معرض فى المنطقة.
قاعات الندوات معظمها غير مجهز والصوت ينقطع فيها كل لحظة، والأصوات تتداخل بين القاعات المتجاورة بصورة تشوش على المتابعين.
دورات المياه شديدة الرداءة، ولا تليق بمعرض كبير مثل القاهرة.
ومقابل ذلك هناك ظواهر طيبة مثل الشباب المتطوعين الذين يضربون مثلا مهما فى ثقافة العمل التطوعى، ويرشدون الزوار إلى دور العرض، ويقدمون كل ما يهم الزائر من معلومات بشأن المعرض.
المشكلة الأخرى أن بعض دور النشر لا تزال تشكو من تزوير الكتب حتى داخل المعرض. هذا التزوير يكبدها خسائر ضخمة. ناشر الكتاب الأصلى يبيعه بسعر التكلفة مضافا إليه هامش بسيط من الربح حتى يستمر، لأنه يشترى الورق والأحبار ويدفع للمؤلف والرسام والمدقق والمصحح ولموظفى وعمال الدار والمطابع وللضرائب، إضافة إلى إيجار المكتبات. فى حين أن المزور لا يتحمل إلا تكلفة الورق الردىء فقط ويبيع على الرصيف، بل وصلت بجاحة البعض إلى تصدير الكتب المزورة للخارج!!.
قد يقول البعض: «ولكن نحن نشترى الكتاب المزور أرخص»، لكنه لا يدرك أن استمرار التزوير يعنى أن الناشر الأصلى قد يفلس وبالتالى تنهار صناعة النشر بأكملها، رغم أنها لا تزال إحدى ركائز القوة الناعمة فى مصر.
هذا موضوع شديد الأهمية ينبغى أن يقلق الهيئات والجهات المختصة قبل أن يقلق دور النشر المتضررة.
نقلا عن الشروق القاهرية