بقلم: عماد الدين حسين
هل أدرك بعض الأشقاء فى السودان أخيرا خطأ رهانهم على «الجار الإثيوبى» الذى كشف فى الأسابيع الأخيرة عن وجه عدوانى سافر؟!
نتمنى أن يكون ذلك قد حدث، حتى لو أن الوقت يبدو أنه فات أو فى طريقه لذلك، فالمهم هو أن يكتشف الأخوة فى السودان، خصوصا رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وغالبية الأحزاب السياسية الحديثة وقوى المجتمع المدنى ذلك.
من سوء الحظ أن الحكومات السودانية المتعاقبة منذ قرار إثيوبيا بالبدء فى بناء سد النهضة فى شتاء ٢٠١١، وحتى شهور قليلة مضت، قد ارتكبت أخطاءً استراتيجية فادحة فى تقييم علاقتها بإثيوبيا.
هذه الحكومات خصوصا فى عهد الرئيس السابق عمر حسن البشير، اعتقدت أن بناء السد يصب فى صالحها، باعتبار أنه سيمنع الفيضانات التى تجتاج السودان فى مواسم الأمطار، مما يؤدى إلى خسائر كبيرة للبشر والزروع.
سبب آخر لتأييد البشير لسد النهضة وإثيوبيا، كان هو مناكفة مصر، باعتبار أن ما يضرها يفيد هذا النظام!!
وللأسف الشديد فإن هذه النظرة امتدت إلى غالبية القوى المدنية، التى نجحت فى الإطاحة بالبشير ونظامه فى إبريل ٢٠١٩.
آبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبى نجح إلى حد كبير فى خداع القوى السياسية السودانية، وأوهمها أنه معها فى خندق واحد ضد البشير، بل إنه صار الوسيط الأساسى بين هذه القوى وقيادة الجيش السودانى التى ساعدت الثورة فى إزاحة البشير، ورأيناه يجلس متفاخرا يوم توقيع الاتفاق، بين المكون العسكرى والمدنى، بل ونال أكبر كمية تصفيق وترحيب يومها!
مما ساعد فى نجاح هذه الخديعة، أن مصر الرسمية والشعبية، غابت عن السودان فى تلك الأيام المهمة، بل ووصل شعور لبعض القوى المدنية أن مصر ضدهم، رغم أن البشير لعب هو وتياره الدينى بصورة مباشرة ضد المصالح المصرية العليا، ومارس مع مصر انتهازية غير مسبوقة، سواء فى علاقته مع جماعة الإخوان أو إثيوبيا أو حتى قطر والخليج.
المؤكد أن الانحياز السودانى لوجهة النظر الإثيوبية، خلال مفاوضات سد النهضة، كان عاملا أساسيا فى تصليب وتعنت ومراوغة وبلطجة أديس أبابا ضد مصر.
«وبعد أن كادت مالطة تخرب»، اكتشف غالبية السودانيين، خصوصا القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، أن إثيوبيا استخدمت السودان جسرا لمكايدة ومناكفة مصر والاستقواء عليها. وحينما اعتقدت إثيوبيا أنها تكاد تقترب من تنفيذ هدفها، استدارت لتمارس الفتونة والبلطجة ضد السودان نفسه!
هى بدأت سياسة من الاعتداءات الممنهجة ضد السودان فى المناطق الحدودية، واحتلت الأراضى وقتلت المزارعين وأطفالهم، وطردت بعضهم من أراضيهم. وفى كل مرة يحتج السودان كانت الإجابة الإثيوبية المراوغة، هى أن المعتدين مجرد رعاة متنقلين أو ميليشيات محلية، لا تمثل الدولة الإثيوبية، إلى أن قامت القوات الإثيوبية الرسمية بقتل جنود وضباط بالجيش السودانى قبل أسابيع، ومدنيين وأطفال يوم الأربعاء المضى، ثم اخترقت طائرة مقاتلة إثيوبية الحدود السودانية يوم الثلاثاء الماضى.
بعدها بدأ السودانيون ينتبهون إلى أن ما يحدث ليس مجرد هجمات لرعاة أو ميليشيات، بل خطة ممنهجة واضحة، لفرض أمر واقع والسيطرة على أراضٍ سودانية.
الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، ومعه رئيس الأركان، وقادة الجيش تفقدوا منطقة الفقشة الحدودية يوم الأربعاء الماضى، وقال البرهان كلاما مهما وجديدا فى السياسة السودانية مثل: «إن السودان لن يتحمل التخويف والإهانة، ولن يرضخ للعدوان الإثيوبى، بعد أن صبرت بلاده 25 عاما، وإن الدماء والأراضى السودانية ليست رخيصة، وإن الإثيوبيين بدأوا بقتل نسائنا وتجريف أرضنا.. والبادى أظلم».
حماقة الحكومة الإثيوبية بلا حدود، وهى تعتقد أن كل الثمار نضجت فى المنطقة وحان قطافها، وأن سد النهضة صار أمرا واقعا، لا يمكن المساس به. أظن أن التنسيق المصرى السودانى الحقيقى يمكن أن يرسل رسالة عملية للجانب الإثيوبى، مثل اللقاء بين الرئيس السيسى، ووفد سودانى رفيع المستوى يوم الخميس الماضى. أو كان من عينة المناورات الجوية المشتركة التى جرت قبل أسابيع قليلة، ووصل صوت الطائرات إلى آذان آبى أحمد.