بقلم: عماد الدين حسين
مساء الجمعة الماضية، تلقيت دعوة من مراسم مجلس الوزراء لحضور لقاء مع رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، وبعض الوزراء صباح السبت، فى قرية كفر سعد فى بنها قليوبية.
خلال الاتصال عرفت أن اللقاء سيدور بشأن قانون التصالح فى تعديات البناء، لكن لم أفهم سر اختيار كفر سعد تحديدا كمكان للقاء.
اسم القرية معروف جيدا لى، لأنها بلد صديقنا أشرف البربرى مدير تحرير الشروق، ونقاشنا وجدلنا واتفاقنا واختلافنا يكاد لا يتوقف بشأن كل القضايا، خصوصا البناء على الأرض الزراعية وأسعار الأراضى والجسور وتعويضات الأهالى والمحليات. ورغم ذلك، كنت أتخيل كفر سعد قرية زراعية، مثل غالبية قرانا فى الصعيد، أى تبعد عن المركز أو البندر بخمسة أو عشرة كيلومترات، والرقعة الزراعية بها واضحة وواسعة.
وصلت إلى بنها، وكل لحظة أنتظر ظهور الأرض الزراعية، لكن فوجئت بأن صوت الجى بى إس يخبرنا أننا وصلنا إلى المكان المقصود. تخيلت أن هناك خطأ ما، لكن وجدت خيمة اللقاء ورجال الأمن والمراسم فأدركت أننا وصلنا بالفعل.
حينما دخلت سألت الصديق هانى يونس المستشارالإعلامى لرئيس الوزراء عن سر اختيار كفر سعد، مكانا للقاء، فقال إنها نموذج لمعظم أنواع المخالفات وبالطبع ليست هى استثناء لكنها نموذج متكرر فى معظم أنحاء الجمهورية.
كفر سعد كانت قرية زراعية، وبجانبها قرية أخرى تفصلها عن مدينة بنها هى عزبة «المربع»، ومع التوسعات والاعتداءات والبناء الشرعى والعشوائى التصقت العزبة ببنها، كما التصقت مع كفر سعد، وكأنها امتداد للمدينة لكن بصورة عشوائية.
فى هذه القرية أو الامتداد العشوائى لبنها، عشرات الأبراج العالية المقامة على أراضى طرح النهر، ومئات البيوت المقامة على أراض زراعية سواء بصورة مرخصة أو غير مرخصة، وإن كان أحد أهالى القرية قال لى إن هناك مشكلة كبرى، وهى أن المحافظة لم تفتح الحيز العمرانى منذ سنوات طويلة، مما اضطر البعض للبناء المخالف، خصوصا فى المدينة وليس القرية.
وأنت تسير وسط كفر سعد ستجد عرض بعض الشوارع لا يزيد على خمسة أو ستة أمتار. شوارع أخرى عبارة عن صفوف متراصة من الأبراج التى يتراوح ارتفاعها بين 10 و20 دورا. هذه الكتل الأسمنتية الصماء، لا تجعل النور الطبيعى يدخل للشقق نهارا. وبطبيعة الحال التهوية منعدمة والخصوصية مفقودة، لأنك تستطيع أن تسلم على جارك أو جارتك باليد!! معظم الشوارع غير مرصوفة، أو مرصوفة لكنها تكسرت، ولا يوجد أى شىء موحد فيها.
خلال اللقاء أحسن رئيس الوزراء صنعا حينما شرح القضية، من خلال فيلم تسجيلى لمدينة الخصوص فى نفس محافظة القليوبية، الصورة المتحركة قاسية جدا، وتلخص الجريمة التى ارتكبناها جميعا فى حق بلدنا وحق مستقلبنا.
قرية الخصوص نشأت بالكامل على أرض زراعية، وتحولت إلى كتل خرسانية بارتفاعات هائلة أو بطريقة عشوائية، وعرض بعض شوارعها لا يزيد على أربعة امتار. كل شخص بنى على القيراط أو القيراطين اللذين يملكهما، من دون أى تخطيط. وبعد ذلك هو يريد من الدولة أن تدخل له كل المرافق.
السيارات لا تعرف أحيانا أن تدخل أو تخرج من هذه الشوارع الضيقة، بل أن إدخال الغاز فى هذا المكان قد يصبح خطيرا، وإذا لا قدر الله نشب حريق فقد يتحول الأمر إلى كارثة. وإذا أرادت الحكومة التسهيل عليهم، فربما تحتاج لإزالة بيوت وتعويض سكانها بشقق أخرى.
وحسب قول اللواء عبدالحميد الهجان محافظ القليوبية ففى الفترة من ٢٠١١، وحتى الآن كانت هناك ١٧٥ ألف حالة تعدٍّ وتم تبوير 6627 فدانا من أجود أنواع الأراضى الزراعية، وتقدم حتى الآن ١١٢ ألف طلب للتصالح.
الذى حدث فى حكاية التعديات أن الناس بنت على أجود الأراضى الزراعية، ومن دون تخطيط، والدولة ستدفع أثمانا مضاعفة أولا لمد المرافق لهذه المناطق العشوائية، واستطلاح الأراضى الصحراوية بمبالغ تصل لـ ٢٠٠ ألف جنيه للفدان الواحد.
رأيى الواضح أننا لا ينبغى أن نلوم المخالفين فقط، بل الحكومات التى سمحت لهم بذلك، وبعض هذه الحكومات شارك فى الجريمة، ومثال ذلك من سمح ببناء جامعة بنها الجديدة، على أجود الأراضى الزراعية، وتلك قصة أتمنى أن أعود إليها لاحقا إن شاء الله.
المهم المطلوب الآن أن يسارع الناس للتصالح وإغلاق هذا الملف، خصوصا بعد التخفيضات المتوالية التى أعلنتها الحكومة فى أسعار التصالح.
السؤال: هل نحن فعلا ودعنا المخالفات، وسيلتزم الجميع بالقانون؟!
سؤال أتمنى أن تكون الإجابة عليه بنعم.