بقلم: عماد الدين حسين
المراقب الموضوعى لملف العلاقات المصرية التركية منذ 30 يونيو 2013، وحتى هذه اللحظة، سوف يكتشف ببساطة أن الدولة المصرية أدارت الملف بمنتهى الحكمة والشجاعة والاحتراف.
مصر لم تبدأ بحالة المعاداة، وظلت حريصة طوال الوقت على وجود شعرة معاوية. ولم تسحب سفيرها إلا بعد أن وصلت تجاوزات وتطاولات أردوغان إلى درجة كان يصعب معها الاستمرار، ورغم ذلك ظل القائم بالأعمال فى البلدية يمارس عمله.
هاجمت تركيا مصر دبلوماسيا فى كل مكان. وفتحت بلدها لكل أعداء الدولة الذين هاجموها من المنصات الإعلامية المتنوعة التى وفرتها تركيا.
حينما بدأت تركيا هجومها السياسى الشامل ضد مصر، روجت أن المسألة مسألة وقت قبل أن تعود جماعة الإخوان للحكم، ويعود أردوغان سلطانا عثمانيا أو خليفة للمسلمين.
لكن الآن فإن الصورة على أرض الواقع تقول بوضوح إن تركيا هى التى تلاحق مصر ليل نهار فى الشهور الأخيرة، لكى تعيد معها العلاقات، وهو ما يؤكد لنا أن الدولة المصرية سجلت انتصارا سياسيا أمنيا واستراتيجيا كبيرا خلال صراعها مع نظام أردوغان وأدواته طوال السنوات الثمانية الماضية.
يوم الإثنين الماضى نقلت صحيفة «فويس أوف أمريكا» عن المحلل حسين باججى من معهد السياسة الخارجية التركية قوله الخطوات التى تتخذها حكومة أردوغان مع مصر هى محاولة من أنقرة لكسر عزلتها المتزايدة. يضيف: هناك تكتل متزايد فى المنطقة. وكراهية متزايدة تجاه تركيا، ولا يمكن لتركيا أن تسير على هذا النحو، لديك محيط شامل من العداء يشمل اليونان وقبرص وفرنسا مصر والسعودية والإمارات، وهذا كثير للغاية.
يضيف باججى، فى العام الماضى زادت القاهرة الضغط على تركيا حينما وقعت مع اليونان اتفاقا للتنقيب عن الطاقة فى مياه البحر المتوسط، وقبله الاتفاق مع قبرص.
هذا الاتفاق مع اليونان وجه ضربة قوية لكل الخطط التركية فى مياه شرق المتوسط.
مصر دعت إلى إنشاء منتدى غاز المتوسط ومقره القاهرة بمشاركة كل دول شرق المتوسط بل وعضوية بلدان بعيدة عنه مثل أمريكا والإمارات، ولم يتم استبعاد إلا تركيا.
وبدور مصرى فاعل تم إنشاء منتدى الصداقة «فيليا» فى العاصمة اليونانية أثينيا. وضم مصر واليونان وقبرص والسعودية والإمارات والبحرين والأردن وفرنسا، وهكذا أيضا وجدت تركيا نفسها منبوذة ومحاصرة.
مصر دشنت دبلوماسية اللقاءات الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص على مستويات مختلفة. خصوصا على مستوى القادة، الذين كانوا يجتمعون مرتين على الأقل سنويا وهذا النوع من دبلوماسية القمة مثَّل صداعا قويا فى رأس نظام رجب طيب أردوغان.
تنشر الصحف التركية فى الأيام الأخيرة قصصا كثيرة عن إمكانية استفادة مصر من أى ترسيم أو تعيين للحدود البحرية مع تركيا. لكن حتى خبراء أتراك يقولون إن مصر لن تحصل على أى شىء لأنها أقامت منطقتها الاقتصادية الخالصة بالفعل، ولا تحتاج القاهرة إلى موافقة أنقرة على حقوقها، لأن اليونان وقبرص أقرب بكثير من الشاطئ المصرى، وهذا يعنى أن تركيا تطرح هذه الأفكار لتطالب بمياه ليس لها حقوق فيها.
هذه الصحافة التركية الموالية لأردوغان قلبت توجهاتها تجاه مصر فى الفترة الأخيرة بنسبة كبيرة، وبعد أن كانت تصف نظام الرئيس السيسى بأنه مساندة للأنظمة القمعية صار فجأة موضوع ثناء وإشادة أهل الحكم وأبواقهم الإعلامية.
لكن مرة أخرى إلى أين ستتجه تركيا مع مصر؟!
المحلل الإقليمى سنان أولجن يقول إن الكلمات التركية التصالحية تجاه مصر ليست كافية لتحقيق إنجاز دبلوماسى، وفى نهاية المطاف يتوقف هذا التحول الجديد على ما تفعله تركيا وسيحقق النتائج.
وطبقا للمحلل جيم جورونيبز فإن دعم أنقرة للإخوان ظل نقطة التوتر الرئيسية بين البلدين، وهو يضيف: مصر الآن تعمل ضد تركيا بسبب السياسة الخاطئة للحكومة التركية القائمة على الخلفية الدينية، وعندما تترك تركيا هذه السياسة فأنا متأكد من أن العلاقات بين البلدين ستكون أفضل.
المحللون يرون أن المحادثات المقبلة إذا جرت ستكون صعبة جدا بالنظر إلى العداء وانعدام الثقة بينهما، وصعوبة إزالة المرحلة القديمة.
إذا مصر تمكنت بهدوء وبصبر مثاليين من قيادة الخلاف مع تركيا بأكبر قدر من الحكمة والنتيجة هى ما نراه الآن.