بقلم: عماد الدين حسين
ما الذى يجعل مصر تتمسك بالمفاوضات مع إثيوبيا، بشأن سد النهضة، رغم أنه ثبت بالدليل القاطع تعنت ومراوغة إثيوبيا طوال حوالى عشر سنوات منذ اندلاع الأزمة؟
والسؤال الأهم: أليس من الأفضل عمليا أن نوقف هذه المفاوضات التى يصفها كثيرون بأنها صارت عبثية، ونعلن انسحابنا من اتفاق المبادئ الثلاثى مع إثيوبيا والسودان منذ مارس ٢٠١٥، حتى نكشف اللعبة الإثيوبية ونفضحها أمام العالم.
الأسئلة السابقة موجودة على لسان كثير من المصريين الذين يخشون أن يمر الوقت، ونتفاجأ بأن أديس أبابا أعلنت عن اكتمال الملء الثانى لسد النهضة مع موسم الفيضان القادم فى الصيف المقبل أى بعد أقل من ثلاثة شهور.
وفى موضوع سد النهضة تحديدا تعودت أن أستمع وأحترم رأى أحاسيس ومشاعر الناس البسطاء لأنها تعبير مهم عن اتجاه الرأى العام، لكن من المهم أيضا الاستماع إلى رأى الخبراء والمختصين ومن لديهم المعلومات، لأننا لسنا فى «عركة فى شارع أو حارة» ولكن فى معركة مصير ووجود متداخلة ومتشابكة، مع العديد من العوامل والظروف المحلية والإقليمية والدولية.
قبل أيام قابلت سياسيا مهما قريبا من دوائر هذا الملف الشائك وسألته عن جدوى الاستمرار فى التفاوض مع إثيوبيا، وجدوى التمسك باتفاق المبادئ؟!
وجهة نظر هذا السياسى المهم جدا، أننا ما زلنا لم نتعرض إلى ضرر فعلى من إثيوبيا حتى الآن، لأن حصتنا من المياه لم تتأثر، وهى تعلن طوال الوقت أنها لا تنوى إلحاق الضرر بنا. وعن اتفاق المبادئ الإطارى يرى هذا السياسى أنه الورقة الأهم فى يد مصر تفاوضيا حتى الآن، لأنه الوثيقة الأساسية التى تقر فيها إثيوبيا بحقوقنا وبالحفاظ على عدم إلحاق الضرر بنا، ، وعدم الشروع فى أى إجراءات لملء وتشغيل السد، إلا عبر التفاوض معنا.
هذا الخبير السياسى المرموق يقول إن اتفاق المبادئ هو أفضل ورقة سياسية وقانونية فى يد مصر حاليا.
قلت له، حتى لو كان ذلك صحيحا، فإن إثيوبيا مزقت هذا الإعلان، حينما نفذت الملء الأول بصورة منفردة، وأعلنت أنها ستنفذ الملء الثانى فى كل الأحوال، ولم تعد تخفى نواياها الشريرة تجاهنا، فما الذى سيفيدنا فى إعلان المبادئ؟
فى تقديره أنه خلال مراحل التفاوض فإن الأمور لا تقاس بمنطق الصراعات بين الأفراد فقط، وفى الحالة الراهنة فإن تعنت إثيوبيا وعدم التزامها باتفاقياتها، يحسّن موقف مصر دوليا ويظهرها أنها الدولة التى التزمت بالمنطق السلمى التفاوضى وحرصت عليه طوال الوقت.
قلت للمسئول، وما هى فائدة كل ذلك إذا استمرت مصر فقط هى التى تلتزم بالتفاوض السلمى والقانون الدولى، فى حين أن إثيوبيا ستملأ السد بصورة منفردة، وتضعنا أمام الأمر الواقع. فى هذه اللحظة ما الذى سنفعله باتفاق المبادئ؟!
هذا الخبير قال: «إن كلامى عن التفاوض واتفاق المبادئ لا يعنى أننا سنفرط فى حقوقنا المائية، لكن نحن نقوم بتقييم كل خطوة، وردنا يكون متناسبا مع كل خطوة يتخذها الطرف الثانى، والرسالة المهمة التى يفترض أن تصل إلى كل مصرى هى أن الدولة المصرية لن تفرط فى حقوقها المائية، ولن نسمح لأحد أن يفعل ذلك».
هو يجمل ذلك بقوله: «كل الخيارات متاحة للحفاظ على حقوق مصر التاريخية، وهذه الرسالة سوف تصل إلى كل من يهمه الأمر». انتهى كلام الخبير وظنى أن أى مصرى لن يشعر بالراحة والاستقرار إلا حينما نتوصل إلى اتفاق قانونى عادل ومنصف يحافظ على حقوقنا المائية، ويمنع تحويل سد النهضة إلى أداة ضغط مستمرة وسيف مسلط على رقابنا، وإلى أن يحدث ذلك فالطبيعى أن يكون هناك قلق طوال الوقت نسأل الله أن ينتهى قريبا. وأتمنى أن تكون زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، التى بدأت للسودان الشقيق أمس، علامة فارقة فى تعامل مختلف مع العنجهية الإثيوبية.