بقلم: عماد الدين حسين
أرجو أن نكون فى مصر على أعلى درجة من الوعى بالتهديد الإثيوبى بالملء الثانى لسد النهضة بدءا من موسم الأمطار فى يوليو المقبل.
الوقت يمر بسرعة جدا، ويوليو لم يبق عليه إلا حوالى أربعة أشهر، وأديس أبابا تعلن كل يوم أنها ستنفذ الملء فى كل الأحوال، سواء كان هناك اتفاق أم لا.
وإذا تمكنت إثيوبيا من تنفيذ هذا الملء الثانى بصورة انفرادية فأغلب الظن أنها ستضعنا أمام الأمر الواقع فعليا، لأن السد سيصبح أمرا واقعا بصورة غير مسبوقة، لأن الملء الأول كان مجرد أقل من ٥ مليارات متر مكعب، وهو ملء تجريبى، فى حين أن الملء الثانى سيصل إلى ١٨ مليار متر مكعب.
لا أتحدث هنا عن تأثير هذه الكمية على حصتىّ مصر والسودان بواقع ٥٥.٥ مليار لمصر، و١٨ مليارا للسودان، لأن موسم الفيضان، لو جاء عاليا، كما حدث فى الصيف الماضى، فلن يكون هناك تأثير خطير على هذه الحصص، ولكن نحن نتحدث عن التأثير طويل المدى، الذى تريد بموجبه إثيوبيا تحويل سد النهضة إلى محبس، تتحكم عبره فى مياه النيل، وتبتز به مصر، وتحول النيل من نهر دولى عابر للدول، يخضع للقوانين والأعراف والاتفاقيات الدولية إلى مجرد بحيرة داخلية إثيوبية، وبعدها يمكن لأديس أبابا أن تكشف عن نواياها النهائية أى التحكم فى مصر وقرارها ببيع المياه الفائضة عن حاجتها لمصر وغيرها من الدول، وربما تكون فى مقدمتها إسرائيل.
للأسف الشديد نجحت إثيوبيا حتى هذه اللحظة فى جعلنا نلعب بطريقتها.
هى نجحت فى تفريغ كل أنواع المفاوضات من مضمونها منذ إعلانها عن تحويل مياه النيل فى إبريل ٢٠١١، نهاية بإعلان وزير مياهها قبل أيام أنها ستنفذ الملء الثانى فى كل الأحوال. هى لجأت إلى كل أنواع الخداع والكذب والتسويف والمماطلة طوال السنوات الأولى أى من ٢٠١١ إلى ٢٠١٨، ثم أسفرت عن نواياها اللئيمة والشريرة فى العامين الأخيرين.
وبالتالى فإن استمرار قبولنا بهذه اللعبة، يحقق المصالح الإثيوبية، ويعفيها من أى حرج أو ضغط دولى.
طبقا للمشهد الراهن فإن التفكير المصرى ما يزال يراهن على المفاوضات، ولديه أمل فى استجابة إثيوبيا للمنطق السليم والطبيعى بتغليب التعاون على العداء، رغم أن إثيوبيا للأمانة لم تعد تخفى نواياها العدائية والتصرف بطريقة منفردة.
كل تصريحاتنا الرسمية الأخيرة تتحدث عن تحسين طريق المفاوضات ومحاولة وضع آليات مختلفة حتى نصل إلى اتفاق قانونى وملزم لملء وتشغيل السد، خصوصا أن السودان بدأ يدرك خطورة السد مقتربا كثيرا من الموقف المصرى.
لكن السؤال الجوهرى الذى أدعو كل المؤسسات المصرية ذات الصلة بملف سد النهضة إلى التفكير فيه هو: أليست هذه الطريقة سوف تسمح لإثيوبيا بالوصول إلى الملء الثانى والانفرادى من دون صعوبات، وبالتالى تضعنا أمام أمر واقع صعب؟!
السؤال الثانى: إذا حدث الملء الانفرادى، ألا يعنى أن أوراق ضغطنا ستكون قد تراجعت وربما تلاشت إلى حد كبير؟!
هناك وجهة نظر شعبية تقول إنه حان وقت إظهار العين الحمرا لإثيوبيا ووجهة نظر أخرى تقول إننا لم نصل بعد إلى هذا المستوى وإن أمامنا العديد من الخطوات التفاوضية والدبلوماسية قبل أن نصل إلى «الخيار صفر».
مرة أخرى نحن لا نتحدث عن الخطورة خلال عملية ملء السد، بل عن المستقبل، خصوصا كيفية وآلية التشغيل وبالأخص خلال سنوات الجفاف الممتد.
أعرف وأقدر صعوبات كل خيار، وكان الله فى عون صاحب القرار فى هذا الملف، لكن أتمنى أن نقلب كل الخيارات، ونناقش كل الاحتمالات، طالما أن الهدف النهائى هو منع إثيوبيا من استخدام هذا السد كمحبس تتحكم فيه، ليس فقط فى كمية المياه الواصلة إلينا، ولكن فى إرادتنا وحرية اتخاذ قرارنا.
السؤال الأخير: هل من المفيد لنا الاستمرار فى الالتزام باتفاق المبادئ الثلاثى، الموقع عام ٢٠١٥، أم الأفضل ألا نستمر فى التفاوض على الإيقاعات الإثيوبية، وأن نبعث إليهم برسالة من بضع كلمات تقول: لقد سئمنا مراوغاتكم وحان وقت تجريب حلول أخرى؟!!