في 26 أبريل الماضي وأثناء كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في إفطار الأسرة المصرية والذي صادف الأيام الأخيرة من شهر رمضان، دعا الرئيس السيسي إلى حوار سياسي يحدد أولويات العمل الوطني في المرحلة المقبلة.
وقال يومها مقولته المهمة إن «هذا الحوار لن يستثني أحداً،وإن الخلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية». وقتها ظن كثيرون أن هذه العبارة تعني عودة «الإخوان» مرة أخرى إلى المشهد السياسي. وهكذا وجدنا بعض قادتها يغازلون الدولة المصرية بطرق شتى للمشاركة في الحوار،وصلت إلى حد أن مرشدهم المؤقت في لندن إبراهيم منير قال قبل أيام لوكالة «رويترز» إن الجماعة قررت اعتزال العمل السياسي تماماً وإنها تمد يدها للدولة وتريد المشاركة في الحوار الوطني الدائر حالياً زاعماً أن هذا الحوار «لن ينجح من دون مشاركة الإخوان».
وظني أن القراءة الهادئة والدقيقة لكلمات إبراهيم منير تكشف بوضوح عن الحالة البائسة التي وصل إليها هذا التنظيم الإرهابي.
بالطبع منير يخاطب في جانب من تصريحاته أعضاء الجماعة حتى يطمئنهم أن كل شئ على ما يرام،وبالطبع الحقيقة عكس ذلك تماماً.
الجديد في كلام منير مثلاً قوله إن«الجماعة لن تخوض صراعاً جديداً على السلطة«وهو ما يعني لدى البعض أنها قررت اعتزال العمل السياسي». وأضاف بقوله:«لن يكون هناك صراع على الحكم في مصر بأي صورة من الصور وحتى لو الصراع بين الأحزاب في الانتخابات السياسية أو غيرها التي تديرها الدولة.. هذه الأمور عندنا مرفوضة تماماً ولا نقبلها».
قال منير أيضاً إن «الجماعة ترفض العنف تماماً ونعتبره خارج فكرها«. وهو قول يخالف الأعمال الإرهابية الكثيرة التي نفذتها الجماعة منذ اغتيال محمود فهمي النقراشي رئيس وزراء مصر الأسبق العام 1948،وحتى عمليات العنف والإرهاب التي نفذتها عقب طرد الشعب المصري لها من السلطة في 30 يونيو 2013».
ومن الحقائق القليلة في تصريحات منير هي اعترافه بأن «الجماعة تمر بأوقات عصيبة وانقسامات داخلية وهذه المرة أقسى من كل المرات الأخيرة طوال 90 عاماً».
هذا ما قاله إبراهيم منير وهو في رأي كثيرين استمرار لمنهج ومبدأ التقية الذي برعت فيه الجماعة حينما تكون ضعيفة ومنكسرة ثم تعود للتنمر والتفرعن حينما تشعر ببعض القوة. وتقديرات المتابعين أن كلام منير تقسيم أدوار برع فيه الإخوان منذ تأسيس جماعتهم في محافظة الإسماعيلية عام 1928. فهو يتحدث بليونة ونعومة تخاطب الغرب وإعلامه والنظام في مصر بلغة هادئة مسالمة في حين يقوم التيار القطبي الآخر بزعامة محمود حسين بالإصرار على محاربة الدولة المصرية وشن الهجمات الإعلامية المستمرة ضدها.
لكن وللموضوعية فإن تصريحات منير تؤكد بوضوح على حقيقة أساسية وهي أن الجماعة في أضعف حالاتها منذ عقود بسبب نبذ الشعب المصري لها،والضربات الأمنية الموجهة لها طوال السنوات الأخيرة وأخيراً لأن الدول الراعية لها لم تعد متحمسة لها بعد أن خاب الرهان عليها.
المهم وقبل أن يزيد منسوب التفاؤل لدى الجماعة وقادتها وكوادرها غالبية القريبين من الدولة أكدوا على استحالة مشاركة الإخوان في الحوار الوطني لأن أيديهم ملطخة بدماء المصريين.
ثم حسم الرئيس السيسي الموضوع بقوله في 3 يوليو الماضي:«أطلقنا الحوار الوطني لكل المفكرين والنقابات والمثقفين والقوى السياسية، مع استثناء فصيل واحد فقط،والناس يمكن أن تسأل لماذا نعمل استثناءً واحداً ولماذا ليس كل الناس معنا بالحوار؟».
السيسي أجاب عن السؤال قائلاً: «لأننا في 3 يوليو 2013، آخر حاجة عملتها طرحت عليهم (أي الجماعة) تصوّراً نتجاوز به أزمتنا، عبر انتخابات رئاسية مبكرة، وأن نعطي الشعب فرصة كي يقول رأيه». لكن أنتم قلتم إن هناك مؤامرة ضدكم فلماذا لم تقبلوا بالانتخابات المبكرة وتكشفوا المؤامرة ؟«ونعمل انتخابات رئاسية مبكرة؟!». وختم السيسي بقوله «الأرضية المشتركة التي تجمعنا في الحوار والنقاش ليست موجودة معهم». إذاً فإن النتيجة النهائية هي أنه لا مكان للإخوان في الحوار الوطني والمشهد السياسي برمته.