كم شخصا فى مصر والعالم العربى كان يعرف ستيفن هوكينج الذى ولد فى مدينة أوكسفورد عام ١٩٤٢ ومات صباح الأربعاء الماضى عن ٧٦ عاما فى مدينة كمبردج؟.
وإذا كان البعض منا يعرفه اسما، أو شاهد الفيلم الروائى الذى جسد سيرته الاستثنائية، فمن منهم قرأ كتبه أو سمع عن نطرياته أو كان مشغولا بعمله وبطريقة تفكيره؟
حياتنا العربية وطريقة تفكيرنا على العكس تماما من عالم هوكينج. نحن نثرثر كثيرا، ونعيش فى الماضى السحيق، والرجل كان دائما مهموما بالعلم والمستقبل والتفكير العلمى والعقلى.
هوكينج هو واحد من أشهر علماء الفيزياء، والبعض يقول إنه يرقى إلى مستوى أينشتاين، واشتهر بأنه أفضل من بسط العلم وقربه لفهم الإنسان البسيط.
قالت عنه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى: «إنه صاحب عقل استثنائى». هذا الرجل أصيب وعمره ٢١ عاما بمرض الأعصاب الحركية أو التصلب الجانبى. وتوقع الجميع وفاته وقتها، لكن معجزة ما حدثت واستمر فى الحياة، على كرسى متحرك. ويقول عن هذه الفترة: «عشت مع احتمال الموت المبكر خلال ٤٩ عاما.. أنا لا أخاف الموت ولست مستعجلا عليه لأن لدى الكثير لأفعله أولا».
هذا العالم الفذ عاش حياته كلها على كرسى متحرك، ووقفت أسرته بجانبه، ولم يكن بارعا جدا فى التحصيل الدراسى وهو صغير، لكنه شيئا فشيئا بدأ يلفت الأنظار إلى شغفه بالعلم والفيزياء ومعرفة كيف تعمل الأشياء، حتى صار صاحب أهم النظريات فى هذا المجال، وله كتب طبعت منها ملايين النسخ أهمها تاريخ موجز للزمن الصادر عام ١٩٨٨ وبيع منه عشرة ملايين نسخة.
الرجل لم يكن شديد الإيمان بالأديان، ورأيه فى الأديان عموما، لا يسر المؤمنين بها، لكن بعيدا عن هذا المجال، فقد كان فلتة من فلتات الزمن فعلا.
مجلة إيفنينج ستاندارد نقلت أمس الخميس بعض أشهر مقولاته ونشرها موقع إيلاف مع بعض التصرف.
فى مقابلة مع النيويورك تايمز عام ٢٠٠٤ قال: «الأشخاص الذين يتباهون بذكائهم أشخاص خائبون» وهى حكمة بليغة ليت العديد من مدعى الحكمة والذكاء فى عالمنا العربى يتدبرونها.
ومن مقولاته أيضا: «تذكر أن تنظر إلى السماء صوب النجوم لا نحو الأسفل عند حذائك، وحاول أن تفهم ما ترى، وتتساءل عما يجعل الكون موجودا، ومهما قد تبدو الحياة صعبة فهناك دائما شىء تستطيع أن تفعله وتنجح فيه، المهم ألا تستسلم».
وعن رأيه فى البشرية يقول: «ما نحن إلا نسل متقدم من القردة فى كوكب صغير، يدور فى فلك».
وعن سبب وجود الكون يقول: «لو وجدنا الإجابة عن هذا السؤال فإنه سيكون الانتصار النهائى لعقل الإنسان».
وعما شعر به بعد إصابته بمرض الأعصاب الحركية: «اختزلت توقعاتى إلى صفر حينما كنت فى الحادية والعشرين من العمر، ومنذ ذلك الوقت وهناك مكافأة».
له آراء شديدة الأهمية عن الثقوب السوداء حيث يشبهه البعض بأنه مكتشفها لكن بعض آرائه فى هذا الصدد تتصادم مع الإيمان الدينى.
كان يتمنى أن تصل كتبه إلى العامة، وقال ذات يوم: «أتمنى أن تباع كتبى فى أكشاك الكتب فى المطارات، ولذلك وصفه البعض بأنه «السفير الشعبى للعلوم».
كان هذا العالم البريطانى الكبير ذا حس كوميدى واضح فيقول عن الشهرة: «الجانب السلبى فى الشهرة أننى لا أستطيع أن أضع نظارات سوداء وشعرا مستعارا فالكرسى المتحرك يفضحنى».
وعن رأيه فى القتل الرحيم يقول: «أعتقد أن ذلك خطأ كبيرا فمهما بدت الحياة سيئة فهناك دائما شيئا تستطيع أن تفعله وتنجح فيه، وما دامت هناك حياة، فهناك أمل».
وعن احتمال حدوث اتصال بين البشر ومخلوقات فضائية قال: «لو حدث ذلك ستكون كارثة، لأن مخلوقات الكواكب الأخرى ستكون على الأرجح متقدمة كثيرا علينا، وتاريخ احتكاك أعراق متقدمة ببدائية على هذا الكوكب ليس تاريخا سعيدا، على الرغم من أنهم كانوا من جنس واحد، ولذلك أعتقد أنه يجب أن نظل متوارين عن الأنظار.
كان هوكينج مقعدا، وتم شق حنجرته ولم يستطع الكلام لفترة طويلة لكنه قدم للبشرية الكثير والكثير.
ولدينا فى عالمنا الكبير كثيرون يتحدثون ويثرثرون بالتفاهات وسقط الحديث.
تلك هى «الحياة التى ستكون مأساوية إذا لم تكن مضحكة»، كما قال هوكينج ذات يوم.
نقلًا عن الشروق القاهرية