بقلم -عماد الدين حسين
ما هو أهم درس مستفاد من قيام العدوان الإسرائيلى بقتل ثلاثة من الأسرى الإسرائيليين الذين كانوا فى قبضة حماس، وخرجوا من أحد أنفاق حى الشجاعية بقطاع غزة رافعين رايات بيضاء ومتحدثين باللغة العبرية قائلين: أنقذونا؟!
الدرس الأساسى الذى يفترض أن يصل إلى العالم أجمع خصوصا فى الولايات المتحدة وأوروبا وكل من يزعم أنه عالم متحضر هو أن إسرائيل تقتل من يستسلم ولا تؤمن بكل ما تصدع به رءوسنا صباح مساء أنها دولة ديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان وتراعى القواعد القانونية والأخلاقية فى الحرب.
فى غالبية المؤتمرات الصحفية لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أو وزير الدفاع يؤاف جالانت ورئيس الأركان هرتسلى هاليفى فإنهم يتبجحون كثيرا بأن جيشهم يطبق قواعد الاشتباك المتعارف عليها عالميا وأعلى المعايير الأخلاقية فى الحرب على غزة، وينسى جالانت أنه فى اليوم الأول من العدوان وصف المقاومين الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية»!!. ونعرف تماما كيف سيتصرف جنود الاحتلال مع هذه «الحيوانات البشرية». وبالمناسبة فإن الغرب وقادته يعطوننا دروسا كل يوم فى الطريقة المثلى والمتحضرة لمعاملة الحيوانات التى يفترض أنها تستحق كل رفق وإنسانية.
جالانت قال أيضا فى بداية العدوان: «لا غذاء ولا مياه ولا وقود ولا دواء لغزة» وهو قرار يعنى أنهم قرروا من البداية أن يقتلوا أهلها جوعا وعطشا ومرضا، إضافة إلى التدمير الممنهج للقطاع بحيث يتحول إلى مكان غير قابل للحياة لفترة طويلة.
حينما يرفع الأسرى الإسرائيليون الثلاثة الرايات البيضاء ويتحدثون بالعبرية لجنود الاحتلال، ورغم ذلك يقدمون بقتلهم، فالمعنى الأساسى أن التعليمات الصادرة للجنود تقول لهم اقتلوا الجميع فى غزة من يقاوم ومن يستسلم، من يتمسك بالبقاء فى منزله، ومن يطيع قرارات قادة الاختلال بالنزوح من بيته، من يحتمى بالمستشفيات أو المدارس أو الكنائس أو المساحة أو مؤسسات الأمم المتحدة خصوصا الأونروا.
الطبيعى لو أن جنود الاحتلال لا توجد لديهم هذه التعليمات، فكان يمكنهم وقتها الحصول على الأسرى الثلاثة أحياء والطنطنة الإعلامية بأنهم حرروهم، وأن الضغط العسكرى على حماس والمقاومة قد أثبت مفعوله، ولكانت إسرائيل وحكومتها قد أقامت الدنيا ولم تقعدها، فخرا وتيها وتباهيا بقوة جيشها، لكن الله أراد لحكمة من عنده أن يفضحهم ويكشف وضاعتهم وعدم إنسانيتهم، وأن جوهر تفكيرهم هو أن الفلسطينيين مواطنون من الدرجة الثانية، وعليهم أن يقبلوا بذلك إذا أرادوا العيش فى بلدهم أو يرحلوا أو يقتلوا، كما قال المتطرف بتسلئيل سموتيريتش وزير المالية الإسرائيلى وأحد أهم أركان حكومة نتنياهو المتطرفة. ما يفعله جنود الاحتلال فى غزة منذ بداية العدوان فى ٧ أكتوبر الماضى وحتى هذه اللحظة، يكشف بوضوح عن عقلية وثقافة عنصرية فاشية وغير مسبوقة عالميا.
رأينا العديد من نماذج هذه الممارسات لهؤلاء الجنود والضباط والقادة من أول تكسير محلات الفلسطينيين البسيطة، وسير الجرافات على جثث الضحايا الفلسطينيين وقيام أحد الضباط بإهداء قصف منزل وتدميره على ساكنيه فى غزة لابنته الصغيرة، ومن عدل الله أن هذا العنصرى قد قتل على يد المقاومة الفلسطينية لاحقا، وكذلك قتل النازحين الفلسطينيين وهم يتجهون جنوبا، أو حينما أراد بعضهم العودة لمنازلهم فى شمال القطاع أثناء فترة الهدنة الإنسانية.
لو أن هناك ميزة أو حسنة قليلة لهذا العدوان، فهو أنه كشف بوضوح لا يقبل الشك أو الجدل أو الدحض حقيقة هذا الكيان العنصرى الفاشى الذى يعتقد فعلا أنه كيان أرقى من جيرانه ومن كل العالم، وقد رأينا بعض حاخاماته قبل أيام يعيدون تكرار حكاية ضرورة تحقيق استعادة أرض إسرائيل الكاملة من النيل للفرات!!. مثل هذه النوعية من التفكير تتطلب جهدا عربيا وإسلاميا ودوليا لكشف حقيقة إسرائيل البربرية والعنصرية والمعادية لكل ما هو إنسانى.
وترك هؤلاء من دون كشف وفضح وتعرية سيعنى أن الدور قادم على كل الشعوب العربية، إن لم يكن اليوم فغدا، فانتبهوا يا أولى الأولباب.