سؤال: هل إسرائيل تمتلك أجهزة استخبارية قوية ومتميزة؟
الإجابة المؤكدة هى نعم.
السؤال الثانى: هل هذه الأجهزة عملاقة وأسطورية ولا تقهر؟
الإجابة المؤكدة هى لا.
السؤال الثالث: ما الفرق بين الإجابتين عن السؤالين الأول والثانى.. وهل هناك تناقض بينهما؟
الإجابة هى موضوع هذا المقال.
بالطبع سبب إثارة هذه الأسئلة هى النجاحات التى حققتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فى الفترة الأخيرة، والتى توجتها باغتيال حسن نصرالله، زعيم حزب الله اللبنانى، يوم ٢٧ من سبتمبر الماضى.
أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تتمثل فى ثلاثة أجهزة أساسية، هى «الشاباك» أى الاستخبارات الداخلية، و«أمان» أى الاستخبارات العسكرية، و«موساد» أى الاستخبارات الخارجية، ومعها أجهزة فرعية مختلفة.
مجمع الاستخبارات الإسرائيلى كان يصنف نفسه باعتباره من بين الأقوى عالميًا، ويخدمه فى ذلك عمليات ترويج وتسويق واسعة النطاق لعبت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية دور الراعى والمروج والمضخم عبر العديد من الوسائل من أول السينما والدراما، نهاية بالإعلام مرورًا بالمساعدات الفنية والبشرية والمعلوماتية.
الموساد حقق نجاحات كثيرة، لكنه سجل إخفاقات كثيرة، أهمها المفاجأة الكبرى بحرب ٦ أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣، وآخرها مفاجأة عملية «طوفان الأقصى» فى ٧ أكتوبر الماضى، والتى وجهت ضربة قاضية إلى هذه الأجهزة دفعت العديد من مسئوليها إلى تقديم استقالاتهم أو الاعتراف بتقصيرهم.
فى الأسابيع الأخيرة تمكنت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من اغتيال العديد من قادة حماس وحزب الله فى غزة ولبنان وطهران، خصوصًا فؤاد شكر وإبرهيم عقيل وعلى كركى وإسماعيل هنية، ثم جاءت عملية «البيجر» و«الووكى توكى» فى لبنان مؤخرًا، وبعدها اغتيال حسن نصرالله، وتزعم أيضًا أنها قتلت خليفته هاشم صفى الدين قبل أيام.
عقب هذه العمليات بدأنا نسمع موجة من الإشادات العالمية والغربية أساسًا بأجهزة المخابرات الإسرائيلية، التى تمكنت من اختراق حزب الله تمامًا، وإيران إلى حد ما، وإن كانت هذه الأجهزة فشلت فى الوصول إلى معظم قادة حماس فى قطاع غزة.
مرة أخرى إسرائيل تمتلك قدرات وأجهزة استخبارية قوية لا ينكرها أحد، لكنها ليست عملاقة أو لا تقهر، كما تحاول أن تصور نفسها، وتروج لكل المنطقة والعالم، أنهم مهما فعلوا فلن يتمكنوا من التفوق عليها.
قد يسأل سائل: وما الذى يدفعنا إلى الادعاء بأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ليست «كلية القدرة»؟
الإجابة ببساطة أنه لولا الدعم الأمريكى والغربى والدولى لإسرائيل، ما تمكنت أجهزة استخباراتها من تحقيق العديد من النجاحات خصوصًا الأخيرة.
سوف نضرب مثالًا بسيطًا: فقبل الضربة الإيرانية الصاروخية فى الأسبوع الماضى، أعلنت إسرائيل وعلى لسان أكثر من مسئول فيها أن الضربة الإيرانية ليست وشيكة، وبعدها بلحظات أعلنت الولايات المتحدة أن الضربة وشيكة، وهو ما حدث بالفعل، الأمر الذى كشف عن أن أمريكا ربما حاولت أن «تعلم» على إسرائيل، وتبعث لها برسالة محددة، وهى أن معلوماتها هى الأدق، وأنه لولا مساعدتها لتعرضت إسرائيل للحرج وربما للانكشاف.
الدليل الثانى: ذكرته العديد من الصحف الأمريكية والغربية، ويتمثل فى أن واشنطن أعادت تموضع إسرائيل فى الاستراتيجية العسكرية الأمريكية وتوزيع مناطقها العسكرية، لتصبح فى مكان يسمح لها بتلقى معظم المعلومات الاستخبارية الأمريكية، وكذلك معلومات من حلف شمال الأطلنطى «الناتو» وبعض الوكالات الحليفة لواشنطن، وهذا الأمر يعنى أنه من دون هذه المساعدات والمعلومات ما كان يمكن أن تحقق الأجهزة الإسرائيلية هذه النجاحات.
الدليل الثالث أن إسرائيل بكل ما تملكه من أجهزة استخبارية تقول إنها أسطورية وإعجازية لم تستطع الوصول إلى معظم قيادة حركة حماس وجناحها العسكرى فى قطاع غزة.
الدليل الرابع أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أعلنت أكثر من مرة أنها اعترضت الصواريخ المتجهة إلى إسرائيل والقادمة من إيران أو اليمن أو لبنان، وأن أجهزة المراقبة والتصنت الإلكترونى وفرت العديد من المعلومات الاستخبارية لإسرائيل.
ثم إن أحد أسباب قوة الأجهزة الإسرائيلية أن الأجهزة الأخرى التى تواجهها ليست بالقوة التى كان كثيرون يتصورونها.
وأخيرًا علينا جميعًا أن نتذكر أنه قبل ٥١ عامًا من اليوم وفى ٦ أكتوبر١٩٧٣، وجهت المخابرات المصرية ضربة قاضية إلى المخابرات الإسرائيلية فى حرب أكتوبر المجيدة، ثم جاءت ضربة ٧ أكتوبر من العام الماضى، وبالتالى فهذه الأجهزة قابلة للاختراق، وليست أسطورية، كما تزعم.
المهم أن تكون هناك مواجهة جادة وعلمية وعملية وتقنية لها وليس مجرد بيانات إنشائية، كما تفعل بعض الأطراف التى تواجه إسرائيل الآن.