بقلم: عماد الدين حسين
لكى يكون لدينا بحث علمى حقيقى ومتميز، فالمطلوب هو إرادة من الدولة، وبيئة مشجعة، وموارد مالية كافية، وقبل ذلك وبعده استقلال الجامعات ومؤسسات البحث العلمى وحريتها فى مجال البحث. وأخيرا أن يترجم كل ذلك فى التكامل ما بين البحث العلمى ومخرجاته وبين الصناعة.
ما سمعناه من الرئيس عبدالفتاح السيسى ووزير التعليم العالى والبحث العلمى د. خالد عبدالغفار صباح يوم الأحد الماضى فى الاحتفال بعيد العلم شىء جيد ومشجع، ومن المهم أن نتأكد من أن الهيئات والمؤسسات والوزارات والأجهزة المختصة، سوف تقوم بترجمة ذلك على أرض الواقع.
منذ سنوات طويلة، ونحن نسمع العديد من التصريحات والخطب والوعود التى تتحدث عن تشجيع البحث العلمى.
كانت هناك محاولات، هنا وهناك، لكن لم تكن هناك رؤية شاملة، وبالتالى لم يتحقق الشىء الكثير، ونتمنى أن يكون الأمر هذه المرة مختلفا، رغم الصعوبات والتحديات المتنوعة.
العامل الأول والأساسى فى القضية هو الميزانيات المخصصة للبحث العلمى. وهناك فارق كبير بين ما يذهب للأجور والمرتبات، وما يذهب لتمويل الأبحاث والمشروعات والأوراق والتجارب والنشر العلمى.
ميزانية ٢٧ جامعة و٤٥ معهدا حكوميا تصل إلى ٤٣ مليار جنيه بزيادة قدرها ٧ مليارات عن العام الماضى، لكن معظمها يذهب إلى الأجور والمرتبات، وهو نفس الأمر فى البحث العلمى حيث تبلغ ميزانيته ٢٣٫٦ مليار جنيه بزيادة ٢٢٪ عن العام الماضى وهى تذهب إلى ١١ مركزا علميا و١٥ مركزا بحثيا فى الوزارات المختلفة. والأرقام السابقة مصدرها وزير التعليم العالى د. خالد عبدالغفار، الذى قال أيضا إن هناك ٢٥٠ ألف بحث علمى منشور، منها ٢٢ ألف بحث منشور فى العام الماضى بزيادة ١٥٪ عن عام ٢٠١٧ احتلت بموجبه مصر المركز ٣٥ عالميا.
مرة أخرى ما ينبغى أن يشغلنا هو الرقم المخصص بالضبط للبحث العلمى بعيدا أى الأموال التى تذهب للبحوث والاختبارات والنشر العلمى، وليس لمرتبات الموظفين والإداريين وسائر العاملين فى المؤسسات والهيئات العلمية والبحثية.
هناك نوايا طيبة من الدولة والحكومة فى الفترة الأخيرة فيما يتعلق بالبحث العلمى وتشجيعه، لكن النوايا وحدها لا تكفى، لأن تراكم المشاكل والهموم طوال العقود الماضية، جعلت الأزمة تتفاقم.
الكلام السابق ليس لبث اليأس والإحباط، ولكن للدراسة الجادة وتشخيص المشكلة، حتى ننطلق من أرضية صلبة.
كل المهتمين بالبحث العلمى يعرفون الواقع المر جيدا. جزء كبير من البحث العلمى فى الجامعات المصرية صورى ومجرد «تستيف أوراق»، وبالتالى علينا أن نفرح بزيادة الأبحاث المنشورة، لكن الأهم أن نتأكد من قيمة هذه الأبحاث وجودتها، وهل تحولت إلى واقع، أم سكنت الأدراج التى يعلوها الغبار والتراب؟!
نسمع جميعا عن «ورش متخصصة» تقون بإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه لمن يدفع من أول النسخ والتصوير نهاية بتأليف وكتابة الرسالة. كان الأمر فى السابق قاصرا على ورش تقدم «الرسائل المضروبة» لبعض الطلاب العرب، لكنها توسعت لمن يدفع، ونتمنى أن تكون هناك وقفة جادة مع هذه الظواهر المخجلة!.
ضعف التمويل وغياب الحافز، لا يشجع الطلاب والباحثين وأساتذة الجامعات والمراكز والمعاهد البحثية المختلفة على الإبداع. ونتذكر جميعا حالة د. أحمد زويل فى جامعة الإسكندرية، وحالته حينما ذهب إلى جامعته الأمريكية.
جيد أن يكون لدينا جامعات ومعاهد كثيرة، لكن الأكثر جودة أن يكون لدينا برامج وأبحاث ومناهج متميزة.
ونتذكر جميعا الآثار المأساوية التى نتجت عن التعليم المفتوح، الجامعات شجعته لأنه يدر عليها وعلى الأساتذة موارد كثيرة، لكنه عمليا يدمر المستوى التعليمى، وحسنا فعلت العديد من النقابات التى رفضت اعتماد هذه الشهادات فى ظل شروط التعليم الحالية.
وأخيرا فأحد الشروط الأساسية لتشجيع البحث العلمى أن نضمن حرية البحث العلمى واستقلال الجامعات تماما.
إذا حدث ذلك، مع توافر الموارد والبيئة المناسبة فسوف يتحقق ما تحدث عنه الرئيس السيسى فى الاحتفال حينما قال: «تستهدف الدولة تنشئة العقل المفكر المستنير المستعد لقبول العلم والمعرفة، والذى يتحلى بمهارات الفهم والتطبيق والتحليل». وكما قال العالم الكبير د. محمد غنيم فى كلمته بالفيلم التسجيلى خلال الاحتفال: «المعرفة والبحث العلمى تمنح الدولة القوة الناعمة، بل والقوة الخشنة إذا لزم الأمر».