هل الأجهزة المحلية فى محافظة الإسكندرية تحركت بسرعة وأغلقت المطعم الموجود أسفل شقة أم شيرين بالعصافرة، لأنه مخالف للقانون ولمواصفات الأمن الصناعى، أم لأن صاحبه سورى الجنسية؟!
طالعنا تفاصيل أزمة المطعم السورى، الذى اشتكت منه سيدة تسكن فوقه، وأرسلت استغاثة للرئيس وتفاعل معها جمهور وسائل التواصل الاجتماعى، حتى قامت الأجهزة المحلية بتشميع وإغلاق المطعم وإزالة المخالفات بعد ساعات من الشكوى. وهو أمر جيد أن تبادر الأجهزة المحلية إلى تنفيذ القانون بسرعة. لكن أسوأ ما فى هذه القضية هو «الروح الجاهلية المتعصبة» التى تعامل بها البعض، وحصر القضية فى أن صاحب المطعم سورى (صلاح طحاوى)، وأنه استقوى بالمال على سيدة مصرية مسنة.
فى رسالة استغاثتها قالت السيدة: «السوريين فتحنا لهم بلدنا، يرضيك يعملوا فينا كده يا ريس، أنا انتخبتك مرة ومرتين، وأنا بمشى على كرسى متحرك، متسيبش السوريين يطلعونا من بيوتنا!!!».
أتفهم غضب هذه السيدة التى تشكو من وجود مطعم يعمل طوال الوقت تحت بيتها، لكن السؤال المنطقى الذى ينبغى أن نسأله فى هذه القضية هو: ما هى أهمية جنسية صاحب المطعم السورية فى الموضوع؟! «وهل كانت شكوى واستغاثة السيدة ستختلف لو أن جنسية صاحب المطعم مصرية؟!!».
والسؤال الأهم موجه إلى الذين انتفضوا على وسائل التواصل الاجتماعى هو: هل كنتم ستتضامنون مع هذه السيدة بنفس الحرارة، لو أن صاحب المحل مصرى؟!
أشك فى ذلك كثيرا، والسبب أن هناك مئات الآلاف من أصحاب المطاعم والمحلات والورش والمنشآت يفعلون نفس ما فعله صاحب المطعم السورى، وهناك ملايين المصريين يعانون من نفس ما عانت منه السيدة أم شيرين شومان، لكن الفارق أن أصحاب غالبية هذه المحلات والورش مصريون، يعنى «زيتنا فى دقيقنا!!».
أن يتحرك الجميع بسرعة لأن صاحب المطعم سورى هو أمر غريب وبه جانب من «الشعبوية الممقوتة». صاحب المطعم مدان بأشد العبارات قوة، لأنه مخالف للقانون ولمواصفات الأمن الصناعى، وليس لأنه سورى الجنسية!!
وبالمناسبة لم يتوقف كثيرون من أصحاب الحملة عند اعتذار صاحب المطعم للسيدة ولكل المصريين. هو وضع فيديو على صفحته على الفيسبوك يقول فيه: أعتذر لكل إنسان مصرى عما بدر منه من إساءة.. بنات هذه السيدة أساءوا لى وقلت لهن: أريد أن أكلم رجلا فى العائلة لأن هذه تقاليدى، ولا أريد أن أتشاجر مع سيدات، وعندما رفضن قلت لهن كفاية افتراء، وأن تلك الأسرة عرضت عليه أن يشترى شقتهم بثمن يفوق قيمتها بأربعة أضعاف، وعموما أنا مستحيل أغلط فى واحدة فى مكانة أمى».
هذا كلام صاحب المطعم وبغض النظر هل كلامه صحيح أم لا، فأنا أميل إلى أن مطعمه مخالف، شأنه فى ذلك شأن مئات الآلاف من المحلات والمنشآت المخالفة فى مصر.
هل نلوم صاحب المطعم لأنه مخالف؟! نعم علينا أن نفعل ذلك بقوة، لكن علينا أن نلوم أكثر من سمح له ولغيره بالاستمرار، فى المخالفات طوال السنوات الماضية.
للأسف الشديد كشفت هذه الحادثة عن روح التعصب البغيض لدى بعضنا. الكثيرون تعاطفوا مع السيدة، ليس لأن الرجل مخالف، ولكن لأنه سورى فقط، استمرارا لجزء من الحملة ضد السوريين التى بدأت منذ شهور، على أساس أنهم أخذوا فرص عمل بعض المصريين، علما أن عددهم فى مصر أقل من ٢٠٠ ألف شخص فى حين أن عددهم فى لبنان والأردن مثلا قد يتجاوز المليون وهو موضوع ليس اليوم أوان مناقشته.
شخصيا أنا مع تطبيق القانون بقوة على شخص يخالف القوانين، سواء كان مصريا أم من أى جنسية أخرى.
مشكلة أم شيرين الأخيرة كشفت عن أن السوشيال ميديا تقود المجتمع أحيانا بطريقة «القطيع»، وتوجهه إلى مسارات، يبدو ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب!! والدليل أن جوهر المشكلة الأخيرة كان هو جنسية صاحب المطعم، وليس المخالفات.
أتمنى أن يتحلى رواد وقادة وناشطو وسائل التواصل الاجتماعى بصفات مثل التحقق والتوثيق والتواضع والتروى والتعلم، وهم يفجرون القضايا، أو يتفاعلون معها، حتى لا يساهموا بقصد أو من دون قصد فى إشعال روح التعصب والعداوة ضد شعب عربى شقيق، نزح إلى بلدنا وغيرها من البلدان العربية والاجنبية هربا من حرب أهلية طاحنة، وإرهاب أعمى منذ عام 2011.