يوم الأحد الماضى كان أسعد الأيام فى حياة الطالب أحمد محمد أبوالوفا صلاح نصير واسرته واقاربه، لأنه حصل على ٩٨٫٥٪ فى الثانوية العامة من مدرسة القوصية الثانوية. لكن الفرحة لم تستمر، بل تحولت إلى مأساة مكتملة الأركان ليس فقط للطالب وأسرته بل لكثير من المصريين الذين عرفوا بالفاجعة.
فى اليوم التالى ذهب احمد من مدينة القوصية إلى مدينة أسيوط للسؤال عن كيفية الالتحاق بكلية الطب، وهل هناك امتحانات قدرات أم لا. وقبل دخول أسيوط ببضعة كيلومترات وأمام كوبرى منقباد اصطدمت السيارة الميكروباص التى يستقلها أحمد، بسيارة ملاكى، أحمد توفى فورا ولم يهنأ بتفوقه ونجاحه. وتحولت وفاته إلى مأساة لأهله ومحبيه جميعا.
لماذا أكتب عن أحمد اليوم؟
ليس لأنه ابن بلدى القوصية، أو تخرج من نفس المدرسة التى حصلت على الثانوية العامة منها صيف عام ١٩٨٢، ولكن لأن هذا الطريق الذى مات عليه، تحول إلى لعنة كبيرة تلتهم أرواح الأبرياء كل يوم.
على ذمة إبراهيم نظير عضو مجلس النواب عن القوصية، فإن الطريق الزراعى بين ديروط وأسيوط، والذى لا يزيد عن ٥٦ كيلومترا، قد شهد سقوط أكثر من ١٢٠٠ قتيل من أول يناير ٢٠١٧ وحتى الآن، وهو رقم يفوق ضحايا الحروب بين الدول!
فى اليوم الذى مات فيه أحمد، مات معه ثلاثة، وأصيب ١٢ آخرون. الضحايا لا يقدرون بثمن اضافة إلى الخسائر الاقتصادية المتمثلة فى ثروة المجتمع وأفراده من السيارات.
حادثة أحمد المفجعة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، هى تحولت إلى خبر فى معظم المواقع والصحف، لأنها تحمل كل عناصر الخبر الأساسية المثيرة.. طالب صغير السن يموت فى حادثة بشعة فى نفس يوم تفوقه الكبير.
فى كل يوم هناك حوادث قاتلة، وإصابات متنوعة لكن لا نشعر بها لفرط تكرارها إلا اذا مست من نحبهم. أذكر أنه فى يوم ١٩ مارس ٢٠١١، وكان يصادف إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية الشهيرة، أن أمى واثنتين من شقيقاتى وابن شقيقتى، قد تعرضوا لحادث مروع فى نفس المكان الذى توفى فيه أحمد. ويومها اصيبوا جميعا إصابات متنوعة، تركت بصماتها على بعضهم، لكن القدر كان رحيما بهم، وكتب لهم عمرا جديدا.
هذا الطريق تحول فعلا إلى مصيدة يختار فيها الموت من يشاء. الأمر ليس قاصرا على طريق القوصية اسيوط، أو ديروط أسيوط ولكن على معظم الطريق الزراعى من القاهرة إلى أسوان.
هذا الطريق، كان هو الوحيد الواصل بين القاهرة والصعيد، إلى أن تم شق طريقين رئيسيين هما القاهرة أسيوط الصحراوى الشرقى، أو ما يطلق عليه طريق الجيش، ويبدأ من حلوان والكريمات وهو طريق جيد لكنه بعيد نسبيا. ثم الطريق الصحراوى الغربى. وكان ممتازا، لكن وبفعل الفوضى والإهمال، صار مكسرا ومؤذيا بصورة واضحة والسبب غياب الرقابة وبالأخص سير المقطورات وسيارات النقل الثقيلة عليه، مما جعله طريقا مشلفطا ومبعجرا !!. الآن هناك عمليات ترميم وتوسيع تتم منذ شهور ونأمل أن تنتهى قريبا.
طريق القاهرة أسوان الزراعى، لم يعد احد يستخدمه للسفر إلى القاهرة، لكنه تحول إلى طريق داخلى يربط بين المراكز والقرى بعضها البعض.
وهو ما يعنى أن التكاتك والميكروباصات والدراجات النارية وكل أنواع المواصلات صارت تستخدمه عمال على بطال. وبسبب كثرة الحوداث، فقد قام كل منزل تقريبا بعمل مطب أمامه، بصورة عشوائية، مما تسبب فى كوارث أخرى أو تدمير لبعض السيارات.
كتبت وكتب غيرى عن هذا الطريق أكثر من مرة، لكن للأسف، لا توجد أى استجابة أو تحرك جاد من قبل الأجهزة المحلية المختصة لوقف هذا النزيف اليومى وإزهاق أرواح الأبرياء، ولا أعرف ما الذى يمنع الجهات المختصة من التحرك لضبط حركة السير عليه.
ولماذا لا يتم محاسبة السيارات المسرعة، ولماذا لا يتم التشدد فى منح تراخيص القيادة ولماذا لا يتم تطبيق قوانين المرور، ولماذا لا يتم إعادة تأهيل الطريق وتقسيمه إلى حارتين منفصلتين حتى نوقف «كارثة المقابل»؟! وهل المشكلة نقص اموال ام نقص ارادة؟!.
أسئلة كثيرة سأحاول أن أناقشها لاحقا إن شاء الله. رحم الله احمد وسائر من مات على كل طرقنا المصرية.