ماذا يعنى أن تتكرر نفس المعارك بنفس الكلمات والألفاظ فى كل مرة تحل فيها ذكرى ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢؟!
أحد التفسيرات أن طريقة تفكيرنا لم تتغير منذ عام ١٩٥٢، وأننا جميعا لا نؤمن بحق الآخر فى الإيمان برأى مخالف لنا.
ليس عيبا أن يتمسك الإنسان بموقفه ومبدئه، طالما أنه مقتنع به، بل هو أمر محمود، لكن الأخطر، هو أن يسعى كل منا لإجبار الآخرين على تبنى موقفه.
إذا كنا نرى فى التمسك بالموقف فضيلة، فعلينا فى هذه الحالة أن نلتمس الغدر، للمختلفين معنا فى الرأى، حينما يتمسكون هم أيضا بمواقفهم.
المتابع للنقاشات والسجالات والمعارك الخاصة بثورة يوليو، سوف يكتشف مدى العبثية، التى يفكر فيها بعضنا.
كل منا يدخل هذه المناقشة معتقدا أنه سيحسم المباراة بالضربة القاضية، وسيجبر الآخرين على تغيير أفكارهم وآرائهم والإيمان بما يعتنقه هو!!
فحينما يتحدث الوفدى عن ثورة يوليو، فهو لا يرى فيها إلا كل ما هو سيئ. هى من وجهة نظره قضت على التجربة الديمقراطية المزدهرة، وأجهضت تحول مصر إلى كوريا واليابان وسنغافورة. هذا الرأى من وجهة نظرى ليس موضوعيا، لأنه يتجاهل وجود احتلال بريطانى، وقصر ملكى فاسد، وأن حزب الوفد ذا الأغلبية الشعبية، لم يحكم إلا ٧ سنوات طوال تلك الحقبة المسماة ليبرالية منذ ١٩٢٣ وحتى ١٩٥٢.
الإخوانى، يشارك الوفد نفس النظرة، ولكن على طريقته الخاصة. هو يتعامل مع الثورة باعتبارها انقلابا، ليس فقط عسكريا، ولكنها انقلاب على التحالف الذى قام بين الثورة والجماعة فى أول عامين من ١٩٥٢ وحتى ١٩٥٤. الجماعة لا تنظر للثورة إلا من زاوية أنها نكلت بأعضائها وسجنتهم وعذبتهم، وأعدمت بعضهم فى الفترة من ١٩٥٤ وحتى ١٩٦٥.
وهذا الرأى الإخوانى أيضا ليس موضوعيا. فالإخوان تحالفوا مع الثورة فى أول عامين، وكانوا يروجون لها، ظنا أنهم سوف «يركبونها».هم ينسون أن الثورة عرضت عليهم المشاركة فى الحكم عبر وزيرين، لكنهم رفضوا. واكتشفت الثورة بسرعة أن الجماعة تريد كل «السلطة». وهنا كان الصدام الكبير.
الناصرى بدوره لا يرى فى الثورة إلا كل ما هو طيب وإيجابى وممتاز، وأنها خالية من كل العيوب والسلبيات. وهو أمر غير موضوعى أيضا. صحيح أن الثورة أنجزت العديد من الأهداف الكبرى مثل تحقيق الاستقلال وطرد الاحتلال ومجانية التعليم والعلاج، والإصلاح الزراعى والسد العالى، لكنها فى المقابل ارتكبت أخطاء كارثية كبرى أهمها الحكم الفردى المطلق الذى قاد إلى هزيمة ١٩٦٧، وضرب المشروع الناصرى نفسه من داخله، قبل أن يكون من الخارج.
ما أريد أن أقوله إن من حق كل شخص أن يتبنى الموقف الذى يراه صحيحا، ويتسق مع مصالحه وتكوينه، شرط أن يؤمن بنفس الأمر لغيره من الناس.
من حق الوفدى أن يتبنى موقفا سلبيا من الثورة، لأن الثورة حلت الأحزاب تماما عام ١٩٥٣، ولو أنها سمحت بحياة حزبية سليمة، لكان ذلك فى صالح الوفد. لكن فى المقابل ينسى هذا الوفدى أن الثورة قامت أيضا ضد فساد الأحزاب. ويكفى أن نعرف أن الشهور السبعة عام ١٩٥٢، شهدت تشكيل أربع حكومات!!
من حق الإقطاعى أن يختلف مع الثورة، لأنها أممت أراضيه. هذا ما نسميه تبنى الموقف حسب المصلحة. لكن فى المقابل هناك نموذجان هما أحمد نبيل الهلالى المحامى المعروف وابن آخر رئيس وزراء قبل الثورة، ورغم ذلك انحاز للثورة ومبادئها رغم أنها ضد أسرته وطبقته. والنموذج الثانى هو عضو تنظيم الضباط الأحرار خالد محيى الدين الذى اختار الانحياز للثورة على حساب أسرته وطبقته الثرية، ولم يتمكن من فرض وجهة نظره، داخل مجلس قيادة الثورة وقتها.
السؤال: إذا كان من حق أى شخص أن يتبنى ما يشاء من مواقف وأفكار، ويدافع عن وجهة نظره، فمتى يمكن لهذا الشخص أن يقتنع بحق غيره أيضا فى الدفاع عن وجهة نظره بنفس الطريقة؟ ومتى نقتنع جميعا، أنه لا توجد وجهة نظر واحدة صحيحة وأن الحياة بها متسع لكل الأفكار والآراء، و«من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».. هكذا قال الله سبحانه وتعالى.
المفترض أن الانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية، هى التى تفصل وتحسم صراع الأفكار والمبادئ والمواقف، لكن نحن نصر على تكرار نفس الصراعات والخناقات وبنفس الطريقة المملة كل عام، كى نثبت لأنفسنا بأننا لم نتقدم ولو مسافة سنتيمتر واحد للأمام!
والسؤال إذا كنا ما نزال مختلفين حول يوليو بعد 67 سنة من قيامها، فمتى وكيف سنتفق على ثورة 25 يناير 2011؟!!