الحرب الأكثر سخونة فعليا ليست تلك الدائرة فى مياه الخليج بين إيران وبعض دول الخليج ومعهم أمريكا. الحرب الفعلية تدور الآن بين أمريكا والصين وعنوانها وبدايتها محاولة خنق واشنطن لشركة هواوى عملاق الاتصالات الصينية.
كان الجميع يعتقد أن الحرب التجارية بين البلدين تقتصر على محاولة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إجبار الصين على فتح أسواقها أمام المزيد من السلع الأمريكية، حتى لا يقوم برفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية.
هذه الحرب مشتعلة منذ شهور، وتخضع للمد والجزر والمفاوضات بحثا عن حل وسط يرضى الطرفين، وبالأحرى يرضى ترامب إلى حد ما، باعتباره الشخص الذى قلب المائدة على الجميع.
لكن فجأة وفى يوم ١٥ مايو الجارى وقع ترامب أمرا تنفيذيا خطيرا للغاية يمنح بموجبه وزارة التجارة الأمريكية «سلطة إعاقة صفقات معينة تتضمن تكنولوجيا معلومات واتصالات جرى تطويرها أو تصميمها أو تصنيفها من جانب شركات تخضع لولاية قضائية تخص دولة معادية».
الأمر التنفيذى لم يذكر الصين صراحة، لكن معروف للجميع أن المقصود هو شركة. والهدف المرحلى هو حظر مشاركة هواوى فى بناء شبكات الجيل الخامس، فى أكبر عدد ممكن من بلدان العالم.
فى اليوم التالى أعلنت وزارة التجارة الأمريكية وضع شركة هواوى إضافة إلى ٦٨ شركة فرعية تابعة لها، على ما يسمى «قائمة الكيانات»، ويعنى ذلك عمليا منع وخنق وتعطيل أى عمليات تصدير معدات وأجهزة أمريكية إلى الشركات الصينية، من دون الحصول على ترخيص من وزارة التجارة أولا.
هذا الأمر التنفيذى بالغ الاتساع، ووجهة النظر الأمريكية أن شركة هواوى يمكنها أن تشكل مخاطرة لتخريب البيئة التحتية الرقمية الأمريكية الحساسة فى الاتصالات عن بعد، وقد تؤدى إلى تداعيات كارثية على الأمن الوطنى الأمريكى، لكن الصين تنفى كل ذلك، وأعلنت أنها ستدعم كل شركاتها وسوف تتسلح بسلاح القانون وتدافع عن حقوقها المشروعة.
التقدير العام أن الهدف المقصود ليس مجرد خنق هواوى، التى تعتبر أوضح علامة على التقدم الصينى المضطرد، ولكن «ترامب يريد تمزيق العولمة والبداية هى هواوى»، كما جاء فى المقال الذى نشره ماثيو باى محلل الشئون الدولية فى مركز ستراتفور.
صار معروفا للجميع أن البلدين فى قلب حرب باردة تكنولوجية، وهواوى تشكل رمز الاستهداف الأمريكى لأنها رمز الصعود الصينى.
الأمر التنفيذى الذى أصدره ترامب يمكن استعماله لمنع استخدام أى معدات تنتجها شركات صينية فى البنية التحتية المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات، وليس فقط شبكات الجيل الخامس.
مثلا، فإن إدخال جهاز راوتر صغير مصنوع فى الصين، قد يتطلب الحصول على ترخيص من وزارة التجارة الأمريكية!!!
والترجمة الحرفية لهذا الأمر التنفيذى ستظهر فى مدة أقصاها ١٢ أكتوبر المقبل.
تدعى واشنطن أن شركة هواوى مرتبطة بالاستخبارات الصينية، وقد طرح تقدير صدر مؤخرا فى لندن لهنرى جاكسون سوسيتى: حجة تقول إن الحكومة الصينية تتوقع من شركاتها العاملة فى مجال الاتصالات أن تبنى أبوابا خلفية للوصول إلى البيانات فى الدول الأجنبية. وأن هذه الشركات ستمكن الحكومة الصينية من التجسس على المنافسين الأجانب وسرقة الملكية الفكرية، بل وإغلاق مؤسسات بنية تحتية أجنبية عن بعد.
وكل هذه الاتهامات تنفيها الحكومة الصينية بصورة دورية، وتتهم بكين الولايات المتحدة بأنها تحاول أن تحقق بالاتهامات والادعاءات والحروب التجارية، ما عجزت عن أن تحققه بالاقتصاد.
الموضوع لم يعد قاصرا على الصراع الاقتصادى، لأن الولايات المتحدة، أقنعت أقرب حلفائها وهم كندا وأستراليا ونيوزيلندا بالتوقف عن السماح لشركة هواوى بالعمل فى أراضيها لبناء شبكة الجيل الخامس، ودخلت فى شجار علنى مع بريطانيا لأن الأخيرة وافقت على قيام شركة هواوى ببناء الأجزاء غير الحساسة من شبكة الجيل الخامس، وتريدها أن تلغى هذا الأمر فورا. وان تتبع نموذج كندا التى ألقت القبض على مسئولة الشئون المالية فى هواوى وابنه مؤسس الشركة، استجابة لطلب من واشنطن!
واشنطن تتهم الصين بأنها تسعى لإقرار نظام عالمى جديد محل النظام الحالى الذى جرت صياغة قواعده فى الغرب. تلك هى الخلفية والجزء الظاهر من الحرب، التى يقول بعض المعلقين أن ترامب يحاول استعجالها حتى يوقف عجلة التقدم الصينى لاحتلال صدارة الاقتصاد العالمى.
الموضوع معقد ومتشابك ويستلزم أن نفهم أكثر تأثير هذا الصراع على شبكة الجيل الخامس، وعلى النظام السياسى العالمى، وهل تتحرك الصين لاتخاذ إجراءات مضادة؟! أسئلة ينبغى أن تشغل العالم بأكمله، لأنه كما يقال «حينما تتصارع الأفيال فإن العشب هو الضحية» وللأسف فإن عالمنا الثالث هو العشب!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع