أى حكومة فى عالمنا الثالث، وعندما يثور ضدها قسم كبير أو صغير من شعبها احتجاجا على الأوضاع الصعبة فإن التفسير الوحيد الجاهز هو أنهم أشرار ومثيرو شغب وفتنة وعملاء لجهات خارجية.
هذا الوصف سمعناه فى الأيام الأخيرة من الحكومات والقوى والأجهزة الأمنية والإعلامية فى إيران والعراق ولبنان، وسمعناه قبل شهور فى السودان والجزائر، وسمعناه منذ سنوات فى تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن.
آخر حكومة فعلت ذلك هى الحكومة الإيرانية، التى لم تلجأ إلى اللف والدوران، بل كانت مباشرة وواضحة وصريحة. هى لم تكتف فقط باتهام المتظاهرين بأنهم خونة وعملاء وفوضويون، بل طالبت بإعدامهم جميعا، حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
وسمعنا بعض ممثلى المرشد الإيرانى على خامنئى ومنهم أحمد خاتمى، الذى خطب من على منبر الجمعة، وتوسع فى الموضوع مشيدا بقطع الحكومة لخدمات الإنترنت، بل ودعا لإغلاق الخدمة نفسها لأنها «تعلم الناس الجرائم»!!.
بعض الحكومات كانت أقل سفورا من إيران، حينما وصفت المتظاهرين ضدها بأن بعض أو معظم مطالبهم منطقية، وأنها تتفهم أسباب غضبهم. هى كانت تريد الالتفاف على هذه المطالب، حتى يمكنها الإفلات من حصار الجماهير مؤقتا، لكن المنطق الإيرانى كان حاسما. هو حتى لم يكلف نفسه القول بأن القتلى الذين سقطوا فى المظاهرات كانوا برصاص الطرف الثالث، كما قالت بعض أجهزة الأمن العراقية.
السؤال ألا تدرك هذه الحكومات حينما تنسب كل هذه المظاهرات والاحتجاجات والحشود إلى المشاغبين والمتآمرين، أنها تعطى لهم قوة خارقة، وتجعلهم فى مخيلة الجماهير قادرين على فعل أى شىء، فى أى وقت ؟!!
إذا كان الذين يقفون خلف الاحتجاجات فى إيران فوضويين، فالسؤال الذى كان يفترض أن تسأله الحكومة الإيرانية لنفسها هو: هل هؤلاء الفوضويون من القوة بحيث إنهم تمكنوا من شل الحياة والشوارع، فى اليوم الأول للاحتجاجات حينما أطفأوا محركات سياراتهم فى الشوارع؟!
من المنطقى والطبيعى أن هناك بعض المتآمرين والفوضويين والأشرار فى أى مكان بالعالم. وأغلب الظن أنهم موجودون فى أى مظاهرات واحتجاجات. وهناك بالفعل قوى تريد أن تنفجر الأوضاع الداخلية فى إيران والعراق ولبنان، مثلما حاولت فى السودان والجزائر وغيرها من الدول.
لكن السؤال الأهم: ما هو حجم ونسبة وجود هؤلاء الأشرار من إجمالى المحتجين؟! المنطقى أن يكونوا نسبة قليلة جدا، فى حين أن الغالبية مواطنون عاديون جدا، كل مطالبهم فى الحياة أن تكون معيشتهم كريمة. ولديهم حد أدنى من التعليم والصحة والخدمات الإنسانية العادية، وقدر مقبول من التعددية والديمقراطية، والأهم احترام حقوقهم كبشر، خصوصا فى التعبير عن أنفسهم.
لكن المشكلة العميقة هى أن معظم الأنظمة فى عالمنا العربى والإسلامى، ترى أى متظاهر أو محتج هو مندس وفوضوى وعميل لقوى أجنبية!! هى تنسى أنها حينما تقول إن كل المحتجين أشرار وعملاء ومتآمرون، فهى تعطيهم حجما أكبر بكثير من حجمهم.
هذا يعنى باختصار أن لهؤلاء العملاء قوة خارقة، وقادرة على تثوير معظم أفراد الشعب. وبالتالى يحق لهؤلاء الأشرار الادعاء بأنهم يمثلون الشعب، فعلا طالما أنهم قادرون على إقناعه فى أى لحظة بالتظاهر والاحتجاج!!
نحن فى مصر كدنا أن نقع فى خطأ قاتل مثل ذلك، حينما توسعنا فى إلقاء مسئولية أى مشكلة فى مصر على جماعة الإخوان، بما يحولهم إلى قوة شعبية خارقة، رغم أن الجماعة تعيش أسوأ أيامها فى جميع الاتجاهات، ولم تعد قادرة حتى على تنظيم مظاهرة من مائة شخص!
ويحسب للنائب العام المصرى المستشار حمادة الصاوى قوله فى البيان الشهير عقب احتجاجات ٢٠ سبتمبر الماضى، إن المتظاهرين لم يكونوا كلهم فئة أو جماعة واحدة، بل قسّمهم إلى ثلاث فئات. أناس دفعتهم ظروفهم المعيشية للتظاهر، وأناس تواجدوا بمحض الصدفة، والفئة الثالثة أنصار للجماعة المتطرفة، حاولوا استغلال هذا الاحتجاج.
هذا كلام أقرب إلى المنطق والعقل، ونتمنى أن يكون حاضرا فى أى مشكلة، لأن تحميل الجماعة مسئولية أى شىء يعنى تحويلها من دون أن ندرى إلى جماعة عملاقة، وهى لا تستحق ذلك!