بقلم: عماد الدين حسين
بعض العرب يصر حتى هذه اللحظة على أن فيروس كورونا مؤامرة دبرتها الصين أو الولايات المتحدة، أو إسرائيل ضد العالم للسيطرة عليه.
وللموضوعية فليس بعض العرب فقط هم من يؤمنون بالمؤامرة فى هذا الفيروس الذى حيّر العالم وجعله «يلزم بيته من غروب الشمس»، ولكن هذا التفكير شائع ومنتشر فى معظم أنحاء العالم، بما فيه العالم المتقدم.
منذ انتشار الفيروس، يعتقد جانب كبير من كل شعب أن هذه الدولة أو تلك قامت بتخليق هذا الفيروس خصيصا من أجل الإضرار بها.
سمعنا وقرأنا الكثير عن هذا الأمر. وأن يأتى ذلك من مواطنين عاديين أو حتى خبراء أو بعض المحللين والمعلقين، فهو أمر جائز، لكن أن يأتى من قادة دول كبار جدا، فهو أمر محير.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قلل من أهمية الفيروس فى بدايات انتشاره، بل وسخر منه، واعتبره مجرد «نزلة برد عادية»، وعندما اكتشف أنه خطير ووصل لبلاده وبدأ يتفشى، وصفه «بالفيروس الصينى». وقال إنه اطلع على أدلة تثبت أن فيروس كورونا نشأ فى مختبر معهد ووهان للفيروسات، وأنه على منظمة الصحة العالمية أن تخجل من نفسها لأنها مثل وكالة العلاقات العامة للصين.
حينما يتحدث أى شخص عابر عن المؤامرة وراء الفيروس، فقد لا يلومه أحد، لأن كلامه ببساطة لا يلزم أحدا، لكن حينما يردد رئيس أكبر دولة فى العالم هذا الكلام، فهو أمر شديد الخطورة.
السؤال مرة أخرى: هل كلام ترامب صحيح؟!
حينما سأله أحد الصحفيين قبل فترة عن الدليل الذى يملكه ليبرهن به على صحة كلامه، رد ترامب قائلا: «لا يمكننى أن أخبرك بذلك. غير مسموح لى أن أخبرك بذلك»!!!.
الصين بطبيعة الحال تنفى أى اتهامات بأنها خلقت الفيروس، وقبل أيام ردت بفيلم رسوم متحركة يسخر من اتهام ترامب لها بتخليق الفيروس.
منظمة الصحة العالمية أنصفت الصين، وقالت بوضوح إن الفيروس غير مخلق بشريا.
لكن الضربة القاضية جاءت من مدير مكتب الاستخبارات الوطنية الأمريكية الذى قال إنهم ما يزالون يحققون فى كيفية نشأة الفيروس لكن ما هو واضح أمامهم أنه «ليس من صنع الإنسان وليس معدلا وراثيا»، هذا التحرك من قبل المكتب جاء بناء على طلب من ترامب الكشف عن أى تعتيم محتمل من قبل السلطات الصينية أو منظمة الصحة العالمية بشأن انتشار الفيروس فى بدايته خصوصا بعد أن قال وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو إن الصين حاولت حجب جزء من المعلومات الخاصة بتفشى الفيروس وأنها ستتحمل مسئولية ذلك، ثم قال لاحقا إن الحزب الشيوعى الصينى يجب أن يدفع الثمن دون أن يوضح ماذا يقصد بالضبط.
مرة أخرى: هل هناك مؤامرة وراء انتشار الفيروس؟!
ربما تكون هناك مؤامرة، لكن لا أحد يملك أن يبرهن على وجودها، حتى هذه اللحظة، وبالتالى ليس أمام العالم سوى أن يصدق النظرية القائلة بأن الفيروس تحور وتطور وانتقل من الحيوان للإنسان. ورغم كل ذلك، فإن مواطنين كثيرين فى العديد من بلدان العالم سوف يواصلون التصديق بأن هناك مؤامرة فى مكان ما كانت وراء انتشار كورونا.
الخطر الحقيقى أن يكون ترامب يستخدم اتهام الصين بأنها وراء انتشار الفيروس كى يحصل منها على تعويضات ضخمة.
وقد سمعنا فى الأيام الأخيرة إلحاحا أمريكيا متواترا ومنسقا فى هذا الصدد يعززه دعم دبلوماسى من دول أوروبية. البعض يعتقد أن ترامب يستخدم الفزاعة الصينية لهدفين أساسيين، الأول انتخابى بحت خصوصا أن منافسه الديمقراطى جو بايدن بدأ يتقدم عليه فى استطلاعات الرأى، والثانى استمرار ضغوطه على الصين لمنع انطلاقها وتقدمها اقتصاديا وسياسيا، وتلك قصة معقدة قد ينتج عنها صدام أمريكى صينى غير مسبوق.