مبروك لكل الطلاب والطالبات الناجحين فى الثانوية العامة الذين أعلنت نتيجتهم السبت الماضى.
الوضع الراهن يجعل نتيجة الثانوية العامة، نقطة مفصلية فى حياتهم، للدرجة التى تدفع بعضهم إلى الانتحار، كما حدث لحالتين فى أسيوط مساء بعد إعلان النتيجة.
نأمل أن نصل إلى التطوير الكامل، بحيث يصبح الصف الثالث الثانوى مجرد فصل أو فصلين دراسيين فى نظام تراكمى، بدلا من حالة الرعب التى تعيشها غالبية البيوت المصرية.
وإلى أن نصل لهذا اليوم، فسوف أحاول أن أقدم مجموعة من الأفكار والمقترحات والرؤى ــ وليست النصائح ــ للطلاب الناجحين، وهم يستعدون للالتحاق بالمعاهد والجامعات خلال أسابيع.
طلاب هذه الأيام محظوظون، لأن المعلومات والمعرفة والنصائح متاحة بفضل تقدم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى التى تجعلهم يعرفون أى معلومة عن أى كلية أو معهد فى أى بلد، وبأى لغة، بمجرد الضغط على زر البحث فى جوجل.
فى أيامنا «صيف ١٩٨٢»، لم يكن ذلك متاحا، ودفع كثيرون ثمنا فادحا، وتغيرت مسارات حياتهم، بسبب نقص فى المعلومات أو حتى خطأ فى ترتيب الرغبات.
أيامنا أيضا كانت الغالبية العظمى، تريد الالتحاق بطب وهندسة فى القسم العلمى أو الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية فى القسم الأدبى، والبعض كان يرغب فى الحقوق، ليلتحق بالنيابة العامة، إضافة بالطبع إلى كليتى الشرطة والحربية.
بالطبع مثل هذه الرغبات لا تزال موجودة وتمثل كليات القمة، لكن الصورة تغيرت إلى حد كبير، بفضل التخصصات والبرامج الجديدة فى المعاهد والجامعات. ووصلنا إلى مرحلة يقبل فيها كثيرون على معاهد وكليات التمريض مثلا، لأنها توفر فرص عمل شبه مضمونة.
لو جاز لى أن أقترح على الناجحين فى الثانوية، لقلت لهم: حاولوا أن تنسوا تماما حكاية أسماء الكليات سواء كانت مصنفة «قمة أو قاعا»، ابحثوا فقط عما تحبوه، وعما يمكن أن يمثل لكم فرصة عمل محققة أو شبه محققة.
التعليم الجامعى مهم جدا، لكنه فى بعض الدول الأوروبية، لا يزيد على ٣٠٪، والباقى يذهب إلى التعليم الفنى المتخصص.
ما الذى يدفع طالبا للالتحاق بكلية مثل التجارة أو الحقوق إذا كان الاحتمال الأكبر أن يتحول إلى عاطل؟!
الكليتان مهمتان، لكن عدد الخريجين منهما كبير جدا، وبالتالى على كل طالب أن يدرس ما يحب ويرغب وإذا تعذر ذلك فليبحث عن الأقرب إلى تكوينه وثقافته ورغباته وهواياته.
عليه أن يتوقف عن التفكير بطريقة «على بيه مظهر، أو عزيز بيه الأليط». الشهادة الجامعية وحدها لم يعد لها قيمة إلا إذا اقترنت بعمل قدر الإمكان. يمكن أن يفكر الطالب فى برنامج دراسى عملى. وهذه البرامج كثرت وتنوعت هذه الأيام بصورة كبيرة، من أول تغير المناخ حتى تكنولوجيا الفضاء.
تقارير دولية تقول إن غالبية الوظائف الحالية ستتعرض للانقراض فى السنوات القليلة المقبلة.
على سبيل المثال ستكون هناك وظائف مضمونة لمبرمجى وفنيى الصيانة للطائرات المسيرة بلا طيار. هذه الطائرات لن تكون مقصورة على المهمات الحربية، بل ستقوم بنقل الناس أو توصيل الطلبات والطرود للمنازل.
ستكون هناك وظائف كثيرة لمبرمجى ومشغلى الروبوت. وكل ما يتعلق بتخصصات الهندسة المتداخلة فى مجالات متنوعة من أول صيانة المعدات الطبية إلى صواريخ الفضاء.
السؤال: وهل متاح لخريجى الثانوية العامة فى مصر تشغيل وبرمجة الطائرات المسيرة؟!.
طبعا ليس متاحا الآن، لكن هذا التخصص وغيره سيتسع فى الدول المتقدمة وسيصل إلينا إن آجلا أو عاجلا. والهدف من الحديث عنه هو لفت نظر الخريجين إلى تخصصات ووظائف المستقبل.
هناك تخصصات موجودة فى العديد من المعاهد والكليات وتضمن وظائف كثيرة خصوصا التخصصات الفنية.
فى تقديرى أن ضمان وظيفة فنى لحام أو فنى تكييف وتبريد أفضل مليون مرة من الحصول على ليسانس يجعل حامله عاطلا. نحن نستورد للأسف عمالة من دول آسيوية كثيرة فى بلد به أكثر من ١٠٠ مليون نسمة وبه ملايين العاطلين، فهل نزيد المشكلة تعقيدا، أم نبحث عن حلول عملية على أرض الواقع؟!.
طبعا الطلاب وأهاليهم يتحملون جزءا من المشكلة، لكن الجانب الأكبر بوضوح تتحمله الحكومة والقطاع الخاص، والمطلوب منهم أن يتوسعوا فى إنشاء المعاهد والكليات الفنية المتخصصة التى يحتاج إليها السوق بمقراتها ومعداتها وتدريباتها وهيئات تدريسها. إذا فعلوا ذلك سنحل معظم مشاكلنا.