بقلم: عماد الدين حسين
صباح الاحد الماضى قام ثلاثة طلاب بالصف الأول الثانوى، بإشعال النار بإحدى المدارس التابعة لإدارة نقادة التعليمية فى محافظة قنا، مما أدى إلى احتراق الحاسب الآلى والأثاثات الخشبية بغرف المدرسين.
التحقيقات كشفت دخول الطلاب للمدرسة عبر القفز على الأسوار، وسكب البنزين فى غرف المدرسين وإشعال النيران فيها، انتقاما لرسوبهم فى الامتحانات.
وقد تم ضبط الطلاب الثلاثة، واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم.
الخبر السابق قرأته على موقع «مصراوى» يوم الأحد الماضى، وفى تقديرى المتواضع أنه ليس مجرد حادث عابر أو «لعب وشقاوة وطيش عيال صغار»، بل حادث ينبغى أن يدق كل نواقيس الخطر، حتى لا نتفاجأ بكوارث، نظن أننا بعيدون عنها.
هذا الحادث يستلزم استنفار كل أجهزة الدولة والمجتمع المدنى وليس الحكومة فقط، حتى نفهم كيف وصل الحال ببعض طلابنا إلى حرق مدرستهم، التى يفترض أن تكون فى منزلة أقرب إلى دور العبادة.
كنت أتمنى أن يكون الحادث عابرا وفرديا ولا يعبر عن ظاهرة عامة، لكن المؤشرات والمشاهد والحوادث المتتالية، لا تترك لنا خيارا إلا باعتباره يأتى فى سياق عام، يقول إن غالبية القيم النبيلة والمحترمة فى طريقها للاندثار، الأمر الذى ينبئ بصفات الجيل، وربما الأجيال القادمة.
طوال السنوات الماضية، وأنا أقرأ حوادث شبه متكررة، ليس فقط أبطالها طلابا مشاغبين ومنفلتين، بل أولياء أمورهم أيضا، الذين كانوا يقفون بالأسلحة الآلية أمام اللجان، لإرهاب المراقبين حتى يضمنوا أن أولادهم حصلوا على «نصيبهم الكافى من الغش!!!».
حدث هذا فى أكثر من مدينة خصوصا بالصعيد، منذ سنوات طويلة، وصار يتكرر بصورة شبه دورية.
اعتداءات الطلاب على المدرسين والمراقبين، صارت مسألة لا تثير غضب أو دهشة الكثيرين، وكأنها أصبحت أمرا عاديا، خلافا لما تربينا عليه، باعتبار «المعلم كاد أن يكون رسولا!»، وبالتالى فإن مثل هذه الحوادث، تقول لنا إن المشكلة ليست فى الطلاب الصغار المشاغبين فقط، بل إن أولياء أمورهم صاروا فى حاجة ملحة، لمن يعلمهم الأدب وأصول التربية الصحيحة!
هذا الحادث ومثله لا يحتاج إلى تدخل الشرطة فقط، رغم أهميته، وضرورة عقاب المتهمين، بل يتطلب فى الأساس البحث عن الظروف والأسباب والعوامل التى جعلت مثل هذه الحوادث تتكرر بصورة روتينية لا تثير دهشتنا.
نحتاج فعلا إلى فرق متكاملة من أساتذة علم النفس وسائر فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية، لكى نفهم ما الذى أوصلنا إلى هذه الحالة. وما هو المستقبل الذى ينتظرنا، إذا استمرت الأمور على ما هى عليه؟!
لا نريد أن نكرر كلاما معادا، وخطبا ومواعظ عن القيم والأخلاق والعادات والتقاليد. المؤكد أن كل ما سبق صحيح، لكنه لا يتحقق لمجرد أننا نحلم ذلك، بل يحتاج إلى مناخ وبيئة وظروف محددة، حتى يصير واقعا، وليس مجرد أمنيات.
هذه القيم والأخلاق تحتاج إلى سيادة حكم القانون، وأن يطبق على الجميع من دون استثناء.
هى تحتاج إلى إيمان الجميع بأن التعليم هو الأداة الأساسية للترقى الاجتماعى، وأن كل مجتهد سوف يأخذ حقه ومكانته بغض النظر عن أصله وفصله ولونه وهويته ودينه ومذهبه. ويرتبط بما سبق تغليب أهل الخبرة على أهل الثقة، حتى لا ينهار المجتمع لاحقا، بسبب الفساد الذى ينخر فى أساساته إذا ساد أهل الثقة على أهل الخبرة.
إضافة إلى سيادة القانون نحتاج إلى شيوع ثقافة المساءلة والمحاسبة والشفافية، حتى لا يظن أى شخص أنه فوق القانون أو على رأسه ريشة!!!
ترك مثل هذه الجرائم تكثر وتنتشر، تعنى أننا لا نفسد الحاضر فقط، بل نفسد المستقبل أيضا.
حينما يكون الغش هو الأساس للنجاح، وحينما يكون حرق مدرسة فعلا عاديا لأن التلميذ رسب، فإن هذه العينة من الخريجين، لن يكون لديها أى ولاء لدين أو بلد أو عائلة أو أى قيم! بل يمكنها أن تبيع بلدها لمن يدفع! وحينما يفسد الطالب، وولى أمره معا، فقل على المجتمع بأكمله السلام!
نحتاج لجهد الجميع... البيت والمدرسة ودور العبادة ووسائل الإعلام، وكل مؤسسات المجتمع المدنى، ومؤسسات الحكومة والدولة، لكى نحارب مثل هذه الظواهر الآخذة فى التزايد، حتى لا يأتى يوم لا ينفع فيه الندم!!!