بقلم: عماد الدين حسين
سيذكر التاريخ الحديث أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد جعل «الفتونة» أداة دبلوماسية واضحة وسافرة، لتحقيق مطالبه الشخصية أو مصالح بلاده. وسيذكر التاريخ أن هذا النوع من الفتونة الذى يقترب من البلطجة قد بدأ ينتشر بين العديد من قادة العالم.
كنا نظن أن الكيان الصهيونى هو صاحب الامتياز، فى البلطجة، لكن تبين لنا أنهم تلاميذ بالمقارنة مع ما يفعله ترامب. غالبية رؤساء أمريكا مارسوا هذا النوع من «الدبلوماسية الخشنة»، ولكن كانت تتم غالبا «بقفازات حريرية جدا»، حتى جاء ترامب، وبدأ يفرض العقوبات على أعدائه وأصدقائه على حد سواء. بل وبدأ يفعل ذلك بصورة مهينة، مع قادة دول يفترض أنها حليفة لبلاده. فعل ذلك مع غالبية دول الخليج، ومع الاتحاد الأوروبى واليابان وحلف الناتو، وقبل ذلك فعلها مع سوريا والصين وروسيا، ويفعلها كل يوم مع إيران، مهددا كل من يتعامل تجاريا معها بعقوبات مغلظة. الدولة الوحيدة تقريبا التى أفلتت من عقوباته هى إسرائيل. التى كافأها بصورة لافتة واستقوى من أجل عيونها على الفلسطينيين المساكين.
إسرائيل، لم تعد فى حاجة ملحة إلى الفتونة والبلطجة التى مارستها لعقود طويلة، والسبب، أن العرب تكفلوا بتحقيق معظم أهدافها الاستراتيجية. لكن ولأن «الأصل غلاب»، نراها تمارس بلطجتها فتهاجم وتعتدى على الفلسطينيين فى غزة، وتعتقل فلسطينى الضفة، وتهاجم لبنان وسوريا، بل وتضرب كل من يجرؤ على معارضتها خصوصا الفصائل المسلحة الموالية لإيران خصوصا فى العراق.
التلميذ النجيب الآن فى مدرسة أو جامعة ترامب هو الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى مارس بلطجته على سوريا، وأرسل قواته إلى شمالها، ثم استدار الآن ليرسل بعض مستشاريه العسكريين وآلافا من الجنود المرتزقة الذين يعملون لحسابه إلى ليبيا. هو لا يكتفى بدور «الغازى» بل يزعم أن «ليبيا إرث أجداده العثمانيين». يوم السبت قبل الماضى هدد أردوغان أوروبا والعالم علنا، بأن من سيعترض على تدخله العسكرى فى ليبيا، يعنى أنه يشجع داعش على التمدد والمهاجرين على العبور إلى أوروبا. وهدد أيضا بأن قواته سوف تتدخل أكثر فى سوريا، وفى ليبيا. وما بين سوريا وليبيا، يتحرش أردوغان علنا بقبرص واليونان ومصر، من أجل الحصول على جزء من كعكة الغاز فى منطقة شرق البحر المتوسط، ووقع اتفاقية ترسيم حدود بحرية غير قانونية مع حكومة الميليشيات فى ليبيا، لمناكفة الدول الثلاث!.
وما تفعله الحكومة الإيرانية فى المنطقة العربية، يعتبر إلى حد كبير «فتونة» واستقواء على جيرانها، خصوصا حينما تواصل دعم الميليشيات الحوثية فى اليمن، و«الحشد الشعبى» فى العراق، وتتباهى بأنها تحكم وتسيطر على صناعة القرار فى أربع عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. هى خلقت أذرع لها فى هذه البلدان الأربعة، على أساس طائفى فقط، ثم تحولت هذه الميليشيات إلى شوكة فى ظهر بلادها، وأججت الصراعات الطائفية.
وللموضوعية فإن بعض دول الخليج السنية ساهمت فى نفس هذا الصراع المذهبى، وتتحمل نفس القسط من الخطأ القاتل.
نجاح طريقة ترامب، وعدم اكتراثه بكل ما هو منطقى ودبلوماسى وإنسانى، جعل صورة الفتوة هى الأكثر تأثيرا لدى العديد من الناس، والدليل أن استطلاعات الرأى تشير إلى أن شعبية ترامب لم تتأثر كثيرا فى بلاده، رغم كل الكوارث التى فعلها، ورغم الأخطاء الكارثية التى وقع فيها، ورغم خروجه على كل القواعد والأعراف التى عرفتها السياسة الدولية لعقود طويلة. ونلحظ ارتفاعا فى شعبيته بعد إفلاته من قرار العزل بفعل الأغلبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ.
ومن سوء الحظ أن غالبية العالم تتحول للتفكير بنفس المنطق «الترامباوى الأردوغانى»، حتى لا يتم دهسهم تحت هذا القطار الشعبوى العنصرى المندفع، والذى يحقق نجاحات كثيرة فى مناطق مختلفة بالعالم!!.
يفترض أن الإجابة الصحيحة هى التمسك بالأخلاق والقانون الدولى، لكن ذلك وحده لا يفيد كثيرا، بل ينبغى أن تتسلح كل دولة بقوتها الشاملة، حتى لا تغرى «البطجية والفتوات واللصوص الكبار» باقتحامها واحتلالها والهيمنة عليها. الدول الضعيفة مهما كانت تملك من حجج وحقوق، لا تصمد أمام تلمظ الدول الكبرى، خصوصا إذا كانت الأخيرة عنصرية أو متطرفة.
السلام والأمن والاستقرار، تبنيها القوة الشاملة، أى امتلاك كل وسائل هذه القوة من الاقتصاد والتنمية الشاملة إلى المجتمع المتعلم، مرورا بتوافق المجتمع الداخلى، نهاية بالقوة العسكرية.