بقلم: عماد الدين حسين
«ما يضايقنى أن الشهيد رامى مخلوف واللى زيه، ماتوا على يد الكلاب دول، مش اللى متخبيين وراهم».
هذه العبارة جاءت على لسان الممثل أمير كرارة الذى جسد شخصية المقدم أحمد صابر منسى، قائد الكتيبة ١٠٣ صاعقة بشمال سيناء، فى مسلسل «الاختيار»، وهو يتحدث مع أحد أصدقائه، عن الشهيد المقدم رامى مخلوف، قائد الكتيبة السابق، الذى استُشهد خلال تصديه للإرهابيين.
كلام الشهيد أحمد منسى ليس مجرد خيال درامى ابتدعه المؤلف باهر دويدار، ولكنه وليد وقائع كثيرة على الأرض منذ سنوات طويلة، الذين شاهدوا المسلسل وليس لديهم معرفة دقيقة بما يحدث فى سيناء منذ سنوات، سوف يسألون أنفسهم سؤالا بسيطا وهو: من هم الذين يختبئون خلف الإرهابيين والتكفيريين؟.
الإجابة ببساطة وبوضوح شديد ومن دون لف أو دوران هى إسرائيل وربما يكون معها بعض الأجهزة والدول الأخرى.
الوقائع على الأرض تقول إن إسرائيل وبعد هزيمتها العسكرية فى أكتوبر ١٩٧٣ على يد الجيش المصرى، ثم خروجها من سيناء عام ١٩٨٢، وهى تسعى بكل السبل إلى جعل سيناء منطقة عازلة، وليست امتدادا للأمن القومى المصرى.
وقبل الاسترسال فى السرد، وحتى لا يتهمنى البعض بالاستناد فقط إلى نظرية المؤامرة، أسارع بالقول: إن هناك صراعًا تاريخيًا بين العرب والإسرائيليين منذ عام ١٩٤٨ وربما قبله، وأؤمن أنه صراع وجود وليس فقط صراع حدود، إسرائيل لا تخفى تآمرها على العرب، لكن هذا التآمر لم يكن لينجح لولا الأمراض الصعبة التى يعانى منها العرب منذ سنوات طويلة، وأخطرها الفقر والجهل والاستبداد والتخلف وغياب التعددية والديمقراطية، والأخطر فيروس التطرف الدينى الذى نكبت به الأمم العربية والإسلامية.
فيروس التطرف والعنف والإرهاب ليس اختراعا إسرائيلا محضا، لكن تل أبيب نجحت بصورة لافتة فى الاستفادة منه بصورة استراتيجية؛ حيث إنه حقق لها العديد من الأهداف الكبرى من دون أن تطلق رصاصة واحدة على أعدائها التقليديين، السؤال الذى يتبادر إلى ذهن كثيرين هو: وهل يعلم الإرهابيون والمتطرفون والتكفيريون أنهم يعملون لمصلحة إسرائيل؟.
المؤكد أن غالبية قادتهم يدركون ذلك، وأغلب الظن أن الأفراد المغرر بهم لا يدركون أنهم أدوات فى أيدى إسرائيل، لكن إذا كان ذلك مقبولا قبل سنوات، فإن التطورات التى عصفت بالمنطقة منذ عام ٢٠١١، يفترض أن تكشف لكل المخدوعين حقيقة ما يحدث.
إسرائيل تقول إنها ضد التطرف الدينى، وهو أمر صحيح، لكن ما المانع أن تستفيد من هذا التطرف؟!.
وعرفنا باليقين الدور الإسرائيلى الداعم للإرهابيين والمتطرفين فى سوريا، وكيف أنها قامت بنقل بعضهم جوًا، حينما ضيَّق الجيش السورى الخناق عليهم، ومن بينهم ما يعرف بـ«الخوذات البيضاء»، إضافة لعلاجهم لبعض جرحى الإرهابيين السوريين فى مستشفيات الجولان.
المتطرفون والإرهابيون الذين اختطفوا الدين الإسلامى، حققوا لإسرائيل العديد من الأهداف الكبرى، وأهمها تخريب مجتمعاتهم وإشغالها بصراعات وحروب عقائدية وطائفية ودينية لا تنتهى.
وكان مؤلف المسلسل موفقًا حينما وضع مشهدًا لأحد شيوخ سيناء وهو يخبر أحمد منسى بما حدث فى مؤتمر الحسنة بوسط سيناء عام 1968، حينما حاول الاحتلال الإسرائيلى وقتها إقناع شيوخ قبائل سيناء وكبار أعيانها بالانفصال عن مصر فرفضوا وتمسكوا بمصريتهم.
سيسأل البعض ساخرًا، لماذا تفعل إسرائيل ذلك، وعلاقتها الدبلوماسية الآن مع مصر طبيعية؟!.
الإجابة أن الهدف الإسرائيلى لم يتغير، ما تغير هى الوسائل فقط، ولو كانت العلاقات الدبلوماسية هى الفيصل فقط، فلماذا تُصر تركيا مثلا على استمرار علاقتها الحيوية بإسرائيل حتى هذه اللحظة، رغم أنها تزعم وجود خلافات جوهرية معها؟!.
ما حققه الإرهابيون فى سيناء لإسرائيل، لم تكن تحلم به هى أو من يرعاها، ولم يعد مهما أن نعرف هل الإرهابيون يدركون أنهم أدوات أم لا، طالما أنهم يحققون الهدف لإسرائيل.
سيقول البعض جاهلا، ولكن «الجماعات الدينية» هى التى تتصدى لإسرائيل، الحقيقة أنهم الآن الأعلى صوتًا ضد إسرائيل، لكن لا نرى رصاصة واحدة يطلقونها على العدو الذى يحتل القدس وسائر فلسطين، وربما السؤال الذى ينبغى أن ينشغل به كثيرون وهو: لماذا تصر إسرائيل على استمرار سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، والأخطر لماذا تضع فيتو علنيًا على أى مصالحة فلسطينية بين «فتح» و«حماس»؟!.