بقلم: عماد الدين حسين
من سوء حظى ولأسباب خارجة عن إرادتى لم أتمكن من حضور افتتاح انفاق بورسعيد صباح أمس الأول الثلاثاء ومعها بعض المشروعات التنموية والصحية فى سيناء وبورسعيد.
كتبت فى هذا المكان أكثر من مرة عن أهمية الانفاق، التى تربط الوادى والدلتا بسيناء. كتبت يوم أن كانت مجرد فكرة، لدى بدء حفر التفريعة الجديدة للقناة، وكتبت يوم افتتاح نفقى الاسماعيلية، وبعدها. ورأيى الواضح أن هذه الانفاق قد تكون بنفس أهمية القناة الجديدة، وربما أكثر إذا تم قياس الأمر من زاوية الأمن القومى.
انفاق بورسعيد أو «٣ يوليو» تربط جنوب بورسعيد مع سيناء، وتمر أسفل القناة عند علامة الكيلو ١٩٫١٥. عمق الانفاق ٦٤ مترا، وطولها ٣٩٥٠ مترا لكل نفق، ومربوطة بمجموعة من الممرات العرضية، كل الف متر. إضافة إلى ١٢ سلم طوارئ و٦٠ كاميرا مراقبة بكل نفق ونظام طوارئ كل ٢٥٠ مترا.
النفق الواحد يستوعب ٢٠٠٠ سيارة فى الساعة بمعدل ٤٠ ألف سيارة يوميا. ارتفاع النفق ٥٫٥ مترا، ويضم حارتين بعرض ٣٫٦ متر لكل حارة. القطر الداخلى للنفق ١١٫٤ متر والخارجى ١٢٫٦ متر. وهناك ٤ مصادر لتغدية النفق بالكهرباء، وبالتالى فانقطاع التيار عنه شبه مستحيل.
فى كل نفق ٢٥ ألف قطعة خرسانية، مصممة بمصنع الحلقات الخرسانية الذى يعمل به ١٧٠٠ عامل، علما بأن وزن الحلقة الخرسانية الواحدة ١٣ طنا. ومساحة ٢ متر حفر طوالى، يلزمها ٨ قطع خرسانية، ما يعنى أكثر من ١٠٠ طن لكل ٢ متر حفر طولى.
تنفيذ الانفاق تم على يد ٦ آلاف عامل ومهندس مصرى بشركات مصرية، منها المقاولون العرب وأوراسكوم، وتحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، طوال ٤ سنوات، وخبراء بارزين منهم المهندس العالمى هانى عازر.
ما سبق معلومات أساسية عن الانفاق، التى صارت الآن خمسة، بعد افتتاح نفقى الاسماعيلية قبل شهور ومع وجود نفق الشهيد أحمد حمدى القديم، إضافة إلى وجود 5 كبارى عائمة موزعة على طول القناة.
نعود إلى السؤال الجوهرى: لماذا هذه الانفاق استراتيجية؟!
هى أولا تسهل الحياة على الناس، ويفترض أن تكون هذه المهمة جوهر عمل الحكومة والدولة. وعبور القناة بالمعديات بين القناتين كان رحلة عذاب صعبة جدا، يدفع ثمنها العابرون خصوصا من أبناء سيناء، وكان يستغرق فى بعض أوقات الذروة نحو خمس ساعات أو ستة. الآن رحلة العبور لا تستغرق أكثر من سبع دقائق إذا كانت السيارة تسير بسرعة ٤٠ كيلو فى الساعة.
طبعا هذا الوقت يضاف إليه وقت التفتيش قبل الدخول إلى الانفاق، ونرجو أن تعمل الأجهزة المختصة على اختصار هذا الوقت وزيادة أوقات العبور خصوصا فى الصباح الباكر. هى انفاق استراتيجية أيضا لأنها تتيح نقل وتداول السلع والبضائع بين الوادى وسيناء، وبين مصر والعديد من الدول العربية فى الشام والخليج.
هى استراتيجية لأنها ستكون إضافة حاسمة للمنطقة الاقتصادية لإقليم قناة السويس، هى تبعد خمسة كيلومترات فقط عن المنطقة الصناعية شرق بورسعيد، وقريبة جدا من المنطقة الصناعية الروسية، وكذلك من ميناء بورسعيد، وميناء شرق التفريعة الذى يعتبر أهم موانئ البحر المتوسط.
منطقة شرق التفريعة نعول عليها منذ فترة طويلة، لتكون مع المنطقة الاقتصادية للقناة القاطرة، التى تقود الاقتصاد المصرى إلى آفاق أوسع، حتى تكون هناك العديد من المشروعات الكبرى، ومناطق صناعية مختلفة وخدمات تشغيل وصيانة ولوجستيات، وبالتالى المزيد من فرص العمل الحقيقية للمصريين، مما يقود لحل العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
ونأمل أن يتم التغلب على التحديات والعوائق التى تواجه انطلاق هذه المشروعات، وان يلمس المواطن العادى ترجمة حقيقية لهذه المشروعات على الأرض، فى الأيام القليلة المقبلة.
مرة أخرى نكرر: لماذا هى استراتيجية؟!
لأن ما توفره للأمن القومى المصرى لا يمكن حصره، هى ستغير العديد من الاستراتيجيات، وستجعل الدفاع عن الأرض المصرية فى سيناء مهمة اسهل كثيرا، مقارنة بما حدث مثلا ظهر السادس من أكتوبر ١٩٧٣.
أخيرا لنتناقش ونتجادل حول العديد من المشروعات كما نشاء، لكن هناك مشروعات تستحق فعلا صفة القومية، ومنها هذه الانفاق. تحية لكل شخص ساهم فى تحويل هذا الحلم إلى حقيقة من أصغر عامل حتى رئيس الجمهورية.