ليس سرا أن الحكومة سترفع أسعار الوقود والكهرباء قبل بدء السنة المالية الجديدة فى أول يوليو المقبل أو ربما بعدها بفترة بسيطة.
الحكومة لا تخفى ذلك، بل أعلنت عنه أكثر من مرة. هى قالت منذ عام ٢٠١٤، إنها ستقوم بخفض الدعم الموجه لمختلف أنواع الوقود بصورة تدريجية حتى ينتهى تماما، وتصبح الأسعار مساوية لنظيراتها العالمية.
هل ما ستفعله الحكومة صواب أم خطأ؟!
هذا سؤال جدلى بالطبع، وكل شخص سيجيب عنه حسب مصلحته، ومن الزاوية التى يقف فيها.
الحكومة ترى أنه لا يوجد بديل عن رفع أسعار الوقود، لكى ينجح برنامج الإصلاح الاقتصادى، الذى بدأ بتعويم الجنيه ورفع الأسعار صبيحة يوم ٣ نوفمبر ٢٠١٦. هى تقول إن البديل مخيف وكارثى، وقد يقود إلى الافلاس.
أما المواطنون خصوصا محدودى الدخل، فيقولون إن الحكومة تراهم «الحيطة الواطية»، وأول ما تفكر فيه هو رفع الأسعار، وليس البحث عن بدائل أخرى مثل زيادة الضرائب على القادرين.
وربما هذا الجدل لن يحسم ابدا، لاختلاف المصالح والرؤى والافكار.
ولكى يصبح النقاش مفيدا وصحيا، فعلى الحكومة أن تفكر على الاقل، فى المزيد من حزم المساعدة الاجتماعية للفقراء ومحدودى الدخل، بل والطبقة المتوسطة التى تئن منذ سنوات تحت المطارق المختلفة للإصلاح الاقتصادى.
تقول الحكومة دائما إن دعم الوقود يذهب فى معظمه لغير المحتاجين إليه خصوصا المقتدرين. حسنا سوف نصدق ذلك. ونسأل لنفترض أن عملية زيادة أسعار الوقود بنسبة معينة سوف توفر ثلاثين مليار جنيه كانت مخصصة لدعمه، فلماذا لا تقوم الحكومة بضخ عشرة مليارات جنيه مثلا أو اكثر من هذا المبلغ، فى برامج تستهدف الفقراء فقط؟!
لو كنت مكان الحكومة لوجهت جزءا كبيرا، من هذا الدعم إلى بطاقات التموين بعد تنقيتها، وإخراج غير المحتاجين منها.
بند آخر مهم وهو ضرورة زيادة نسبة المستفيدين من برنامجى تكافل وكرامة. أعرف الجهد الكبير الذى تبذله وزارة التضامن الاجتماعى والوزيرة النشيطة غادة والى، لكن الموضوع يتضمن قرارا استراتيجيا من الحكومة، بضخ المزيد من المخصصات للوزارة لزيادة عدد المستفيدين من البرنامج خصوصا فى الصعيد.
البطاقات التموينية وبرنامحا تكافل وكرامة، استهداف مباشر للمحتاجين، لكنَّ هناك استهدافا غير مباشر ويحقق فعلا العدالة الاجتماعية، فى أرقى صورها، وهو ضمان تمتع المصريين عموما، والمحتاجين خصوصا بالتعليم والصحة بصورة جيدة.
أى انفاق حقيقى على التعليم والصحة، سوف يصب فى النهاية فى صالح الحراك الاجتماعى وتحسين مستوى وجودة الحياة.
طبعا يتطلب ذلك إرادة سياسية، وقبل ذلك وبعده يتطلب وجود مخصصات مالية. ستقول الحكومة إن «الايد قصيرة والعين بصيرة»، وهو كلام صحيح نظريا، لكن يمكن بمزيد من الدراسة والقرار الجرىء أن تبدأ الحكومة فى التعامل بصورة أكثر حسما وحزما مع ضرائب الأغنياء، والانفاق السفهى والمستفز الموجود فى اكثر من جهة.
طبعا هى تريد أن توازن بين رغبتها فى ضمان قيام الأغنياء بالاستثمار، وخلق فرص عمل، وخوفها من أن يؤدى ذلك إلى تقاعسهم عن الاستثمار، ووضع فلوسهم تحت البلاطة!
هناك حل جرىء ويوفر على الحكومة الكثير، ويحل الجزء الأكبر من المشكلة الاقتصادية، وهو خلق فرص عمل. المعروف أن فرصة عمل واحدة تعنى أن الحكومة تخلصت من عبء خمسة أفراد على الأقل، يقوم صاحب العمل بالإنفاق عليهم.
صحيح أن توفير فرص العمل الواحدة يكلف مئات الآلاف من الجنيهات وربما ما يزيد على مليون جنيه، ولكنه سيقلل الضغط على الحكومة فى العديد من الملفات، من أول برامج الحماية الاجتماعية، نهاية ببطاقات التموين ومخصصاتها.
والأهم أنه سيؤدى بصورة آلية إلى تقليل الاحتقان السياسى والاجتماعى، ويجعل المجتمع ينظر إلى الأمام، بدلا من غرقه فى دوامة الأسعار والخدمات المرتفعة بصفة عامة.
هناك حد لاحتمال الفقراء، فالأعباء عليهم كثيرة والضغوط متنوعة، ومن الواجب على الحكومة، قبل أن تفكر فى رفع الأسعار، أن يكون لديها بعض الأخبار السارة التى يمكنها أن تفرح قطاعات واسعة من المصريين وفى مقدمتهم الفقراء.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع