بقلم: عماد الدين حسين
من هى الدول أو القوى أو الاتحادات والمنظمات والهيئات والشخصيات المتورطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة فى اندلاع الحرائق غير المسبوقة فى غابات الأمازون المطيرة، والتى تلعب الدور الأكبر فى حماية كوكب الأرض من الاحتباس الحرارى؟
أحد المتورطين الأساسيين هو الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى انسحب من اتفاقية باريس للمناخ للحد من انبعاثات الكربون، ومواجهة الاحتباس الحرارى، ويدعمه بلا حدود الرئيس البرازيلى اليمينى جايير بولسونارو، ويرى فى ترامب مثله الأعلى فى كل شىء، خصوصا الموقف من المناخ!!!.
ترامب لم يخيب ظن بولسونارو؛ حيث ألمح فى بداية الحرائق إلى أنها ليست وليدة تقصير بولسونارو، مبدأ ترامب أنه يشكك فى أن مشكلة تغير المناخ لها صلة بالأنشطة البشرية، لكن عندما اشتدت الانتقادات الدولية، عرض ترامب المساعدة على بولسونارو فى مواجهة الحرائق!.
أحد المتهمين الأساسيين أيضا هو هذا النظام الدولى العاجز تماما عن كبح جماح واندفاع ترامب وإدارته حينما انسحب من اتفاقية المناخ بمجرد انتخابه أوائل عام 2017.
الأمم المتحدة شجبت وأدانت، بل وانتقدت بولسونارو، لكن من دون أن تفعل أى شىء آخر. رئيس الوزراء البريطانى الجديد بوريس جونسون، يراها أزمة دولية، وعرض المساعدة.
الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون كان الأعلى صوتا فى انتقاد بولسونارو، بل اتهمه بأنه كذب عليه خلال اجتماعهما فى أوساكا الشهر الماضى، على هامش قمة العشرين، فيما يتعلق بتعهده الخاص بحماية الغابات، ماكرون قال أيضا إنه سيثير الموضوع فى «قمة السبع» فى بيارتز، ومن المفارقات أن هذه القمة، ربما لن تكون قادرة حتى على إصدار بيان ختامى، حتى لا تقلق أو تزعج «ملك العالم ترامب» الذى سبق أن رفض العام الماضى بيان القمة السابقة فى كندا أثناء عودته فى الطائرة.
جيد أن يتحدث ماكرون بهذه الطريقة، لكن الأهم هو ماذا سيؤدى إليه كلام وتصريحات وتهديدات ماكرون وغيره من بقية قادة العالم؟!.
للأسف الشديد حتى الآن لم نر شيئا، من ماكرون أو جونسون أو كونتى أو جاستن ترودو أو المستشارة أنجيلا ميركل أو شينزو آبى. إذا كان كل هؤلاء القادة الكبار الذين يحكمون العالم فعليا غير قادرين على إقناع بولسونارو بمكافحة الحرائق، فمن الذى سوف يقنعه؟!.
هناك متورط مهم أيضا فى إشعال هذه الحرائق حتى لو كان بصورة غير مباشرة. هذا المتورط هو كل مواطن برازيلى ذهب إلى صناديق الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأعطى صوته لبولسونارو فى أواخر أكتوبر من العام الماضى، بدلا من انتخاب مرشح اليسار فرناندو حداد، أو أى مرشح آخر يعتقد أن حرائق الغابات خطر على العالم بأكمله.
لكن يظل المتهم الأول هو جايير بولسونارو وحكومته، هذا الرجل لم يخف عداءه الصارخ والفج لفكرة ومبدأ حماية البيئة وغابات الأمازون منذ حملته الانتخابية التى قادته للفوز بالمنصب فى نهاية أكتوبر الماضى، بل وتعهده بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ تقليدا لمثله الأعلى دونالد ترامب.
فى هذا المكان كتبت فى يوم ٣٠ أكتوبر ٢٠١٨ مقالا تحت عنوان «بولسونارو.. ترامب البرازيلى» عرضت فيه لما نشرته صحيفة البايس الإسبانية المعروفة، من نتائج استطلاع رأى لنخبة من المفكرين والمثقفين فى أمريكا اللاتينية عن بولسونارو وخطورة انتخابه.
جميعهم اتفقوا على أنه نكبة على القارة وللعالم. ومنهم الكاتبة المكسيكية الما جيزموبريتو، التى قالت إن أخطر ما تعهد به هو فتح غابة الأمازون أمام الاستغلال التجارى، مما سيشكل خطرا على الكرة الأرضية بأكملها. وقال المخرج البرازيلى والتر ساليس إنه سيقضى على الجهود المبذولة منذ سنوات لحماية البيئة، وقالت الممثلة البرازيلية اليسا براغا، إن ترامب سيبدو جمهوريا، معتدلا مقارنة مع بولسونارو، الذى تعهد بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، بل ومن الأمم المتحدة. وكما يقول الروائى المكسيكى خوان فيورو فان بولسونارو يشكل خطرا على العالم أجمع لأنه فاشى وعنصرى واستطاع أن يستقطب الخائفين والخائبين، كما أنه يجسد التحالف الجديد بين اليمين المتعصب والكنيسة الإنجيلية بالقارة، وفى رأى أبرز مثقفى أمريكا اللاتينية، فإن بولسونارو وليد الديماجوجية الجديدة، التى ترفع لواء الدين والنظام والعائلة، هو يحتقر الديمقراطية رغم أنها أوصلته للسلطة.
مع شخص بمثل هذه الصفات يبدو طبيعيا أن تندلع الحرائق فى الأمازون.. والسؤال: هل هناك من يردعه فى العالم؟!.