بقلم: عماد الدين حسين
كورونا لا يفرق بين رئيس وغفير، بين غنى وفقير، بين مشهور ومغمور. فى الأيام الأخيرة، عرفنا أن كورونا يصيب الجميع بلا تفرقة، على أساس المنصب أو الدين أو اللون أو الجنس أو أى معايير أخرى.
أحد رجال الدين العرب زعم أن الفيروس عقاب إلهى، وأنه يصيب الخطأة والعصاة، وبعد تخاريفه تلك، أصيب هو نفسه، فى رسالة ربانية لأمثاله أن يتوقفوا عن الإفتاء بغير علم!.
ومثلما أصاب كورونا الآلاف من عموم الناس، فى أكثر من ١٦٠ دولة فى كل القارات تقريبا، فقد أصاب العديد من كبار المسئولين. جاستن ترودو رئيس الوزراء الكندى أعلن يوم الخميس قبل الماضى أنه قرر عزل نفسه اختياريا مع زوجته صوفى، التى أصيبت بالفيروس عقب عودتها من لندن. ترودو قرر أن يمارس عمله من المنزل.
فى نفس اليوم، أعلن نجم السينما الأمريكى الشهير توم هانكس أنه وزوجته ريتا ويلسون ــوكلاهما فى الثالثة والستين من العمر ــ أصيبا بالفيروس كورونا، فى كوينزلاند بأستراليا.
فى اليوم نفسه، أيضا أعلنت وكالة فارس الإيرانية عن إصابة إسحاق جهانجيرى بالفيروس وكذلك وزير الصناعة والتجارة رضا رحمانى ووزير الثقافة والسياحة على أصفر مونسان. قبل هذا الإعلان كان قد تم الكشف عن إصابة العشرات من أعضاء البرلمان الإيرانى، وأعضاء فى مجلس الأمن القومى، بل ووصل الفيروس إلى مكتب المرشد الأعلى على خامئنى بإصابة كبير مستشاريه على ولايتى، إضافة إلى وفاة نائب وزير الصحة، والعشرات من النواب.
الفيروس وصل إلى الرياضة، حيث أصيب أحد لاعبى كرة السلة فى نادى ريال مدريد الإسبانى، الأمر الذى جعل الفريق بأكمله يخضع للحجر الصحى. ويوم الخميس أيضا تم الإعلان عن أن أعراض الفيروس ظهرت على بعض لاعبى فريق ليستر وتشيلسى فى إنجلترا، وأحد نجوم نادى فالنسيا، لكن المشكلة الأكبر كانت فى إيطاليا، حيث أصاب الفيروس لاعب يوفنتوس دانيلى روغانى، ثم توالت الإصابات، بعد أن صارت إيطاليا هى بؤرة الفيروس فى العالم.
فى بريطانيا أصاب المرض وزيرة الدولة لشئون الصحة نادين دوريس لدرجة دفعت البعض للسخرية بأن «باب النجار مخلع»!. وتبين أنها التقت قبل إصابتها مع رئيس الوزراء بوريس جونسون وعشرات المسئولين.
وأن تكون قائدا عسكريا كبيرا، فهذا لا يعنى إمكانية هروبك من كورونا!. هذا ما حدث لرئيس أركان الجيش الإيطالى سيلفاتور فارنيا، ولرئيس منطقة بيدمونت ألبروتو سيديو، ومع رئيس منطقة لاتسيو أيضا!.
قائد الجيش البولندى ياروسلاف ميكا، لم يحمِه منصبه ايضا، وأصيب بالمرض بعد عودته من اجتماع عسكرى فى ألمانيا.
وفى فرنسا أصيب وزير الثقافة بالفيروس، وخمسة من نواب البرلمان هناك.
رئيس البرلمان الأوروبى ديفيد ساسولى، لم يفلت من الفيروس، وقرر وضع نفسه فى عزلة بمنزله فى بروكسل، بعد أن سافر إلى إيطاليا، وهو ما جعل قلب سياسة الاتحاد الأوروبى يتخذ إجراءات وقائية ويعتمد على تقنية الفيديو كونفرنس بدلا من الاجتماعات المباشرة. أصيب أيضا ألبرت الثانى أمير موناكو، وكذلك وزير الداخلية الأسترالى.
هذه عينة بسيطة من بعض كبار المسئولين فى العالم. وإذا استمرت الوتيرة الحالية، فمن المؤكد أن الحصيلة ستزيد للأسف الشديد.
الدروس من الانتشار الرهيب لهذا الفيروس المميت كبيرة جدا. أحدها أنه رغم كل أسباب القوة التى يتمتع بها العالم الحديث، فإن فيروسا واحدا، تمكن من أن يشل العالم بأكمله، ويطال بعضا من كبار المسئولين فيه من الوزراء إلى قادة الجيوش.
فى غمرة العالم شديد المادية الذى نعيش فيه، جاء كورونا ليذكرنا أن الفيروس اللعين لا يفرق بين الناس سواء كانوا أقوياء أم ضعفاء، وأن الإنسان مهما كان يظن أنه امتلك كل أسباب القوة المادية والاقتصادية والعسكرية، فإنه بلا حول ولا قوة، أمام فيروس لا نعرف حتى الآن كيف صار شرسا لهذه الدرجة، ولا نملك حتى الآن لقاحا فعالا لمحاربته.
إحدى الرسائل الكثيرة التى تعلمناها من كورونا أننا جميعا على هذا الكوكب أضعف كثيرا مما نظن. وأن فيروسا واحدا جعل العالم كله فى قبضته، فرض عليه حظرا داخل بيته، أخلى الشوارع، وأغلق المطارات والوزارات والمدارس والجامعات والمسارح ودور السينما وملاعب الكرة وشل معظم مظاهر الحياة.