لو كنت مكان الحكومة ومؤسساتها وهيئاتها وأجهزتها، لفكرت مليون مرة قبل أن أصدق بعض «كدابين الزفة»، ولحرصت كثيرا، وأخذت حذرى من أولئك النصابين الذين يهتفون كل لحظة بعبارة «تحيا مصر» عشرين وثلاثين مرة، ظنا أن ذلك سوف يرضى الرئيس والحكومة والأجهزة المختلفة، وبالتالى يعتبر جواز المرور لتحقيق أى شىء!!.
لماذا أكتب هذه الكلمات الآن؟.
لأن عدد هؤلاء زاد كثيرا هذه الأيام، ويملَئُون المشهد العام، والأهم أن خطرهم يزيد كثيرا من وجهة نظرى عن خطر الإرهابيين والمتطرفين؟!.
الإرهابى والمتطرف والكاره والعميل لا يخفى حقده على المجتمع والبلد. ويمارس عنفه وإرهابه وتآمره علنا، فى معظم الأحيان، والأهم أنه يجاهر بموقفه، ونعرف معظمهم، وبالتالى، نأخذ حذرنا منهم. لكن مشكلة «الهتيفة» أنهم يتظاهرون طوال الوقت، بأنهم الأحرص على مصلحة الوطن. تجدهم يتصدرون الصورة فى أحيان كثيرة، ويصرخون بأعلى الأصوات «تحيا مصر» حتى يوهوموا الجميع أنهم الأكثر حبا لهذا الوطن.
شهدنا بعض النماذج التى كانت تفعل ذلك، ثم اكتشفنا أنهم مجرمون وفاسدون حتى النخاع، وسقط بعضهم فى قضايا نصب وفساد متعددة.
خطورة هؤلاء أنهم يعيشون وسطنا، بل أحيانا يتبوءُون مناصب مهمة، وبالتالى فخطرهم أكبر، وضررهم مؤكد. هم يشبهون السوس الذى ينخر فى جسد المجتمع، ولا نعرف بضرره إلا حينما تنهار الأسس والأعمدة، وبعدها يحدث الانهيار الشامل لا قدر الله.
بالطبع ليس كل من يهتف «تحيا مصر» نصابا، هناك كثيرون يفعلون ذلك عن اقتناع وصدق، وحبا فى مصر، متمنين أن تكون فى أبهى صورة وأفضل حال. وهناك البعض الذى يحب بلده جدا، لكن لا يهتف لها، خوفا أن يحسب على هؤلاء النصابين!!.
قد يعتقد البعض أننى أقصد بالنصابين بعض الإعلاميين، والحقيقة هى لا. الإعلاميون جزء صغير جدا من المشهد، وللأسف فالظاهرة صارت موجودة فى العديد من مجالات الحياة المختلفة، كما أننى لا أتحدث عن الذين يؤيدون وجهة نظر الحكومة عن اقتناع حقيقى. وأعرف بعضهم عن قرب، وأعرف أن بعضهم، مقتنعون فعلا بهذا الموقف، هو موقف متسق ومستمر من زمن طويل. أحترم كثيرا من يثبت على موقفه قدر الإمكان.
المشكلة ليست فى هؤلاء إطلاقا، بل فى المتغيرين والمتلونين، والعازفين على كل الطبول، والمؤدون لكل الألحان، أمس واليوم وغدا.
سيقول البعض وكيف ستعرف الحكومات والأجهزة أن هؤلاء نصابون؟!!. هل ستخترع جهازا جديدا ليس فقط لكشف الكذب، ولكن لمعرفة حقيقة المشاعر والولاءات؟!.
نعم الإجابة صعبة فعلا. لكن تاريخ الناس مهم، ويمكن أن يقدم مؤشرا على حقيقة مواقفهم، وهل هى أصيلة وصادقة، أم «مضروبة وفشنك»؟!!.
الحزب الوطنى قبل حله، وحينما كان فى السلطة قبل ٢٥ يناير انضم إليه ٢٫٨ مليون مواطن، وحينما ثار الشعب عليه تبخر الجميع تقريبا، ولم نر مظاهرة عكسية، ولو من ألف مواطن، يدافعون عن هذا الحزب وأفكاره، إذا كانت له أفكار فعلية!!!، والسبب أن غالبية المنضمين كانوا يبحثون عن مكاسب ومصالح وقتية عابرة، ولم يدخلوه اقتناعا بمبدأ أو برنامج.
لا ألوم من اضطر إلى ذلك، كى ينهى أوراقا، أو يلتحق بوظيفة، عجز أن ينالها بالطريق الشرعى والقانونى. لكن أقصد ضرورة أن تتريث الحكومة وأجهزتها المختلفة فى الثقة بعدد كبير من الذين يهتفون ويزايدون بحب الوطن، ولكى يثبتوا ذلك، فإنهم يلجَئُون أحيانا إلى تشويه الجميع، وإظهارهم بأنهم خونة، أو فى أفضل الأحوال غير متحمسين كفاية لحب الوطن، والهتاف باسمه فى كل لحظة!!.
قد يكون لبعض هؤلاء أهمية وقتية لبعض الحكومات والأجهزة، لكن خطرهم محقق ومؤكد. وأمثالهم هم الذين «يعجلون بخراب العمران» وهم السوس الذى يتسبب فى انهيار كامل البيت!!!.
نعلم أن الحكومات والأجهزة المختلفة تحتاج أحيانا لأمثال هؤلاء، لكن المطلوب هو الفرز والاختيار والتنبه، حتى لا يأتى يوم يردد فيه البعض دون جدوى: «يا ليتنا انتبهنا قبل فوات الأوان» !!!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع