بقلم: عماد الدين حسين
هل ستقبل تركيا وميليشياتها ومرتزقتها فى ليبيا «إعلان القاهرة» الصادر ظهر يوم السبت الماضى من مقر الرئاسة المصرية، عقب اللقاء والمؤتمر الصحفى المشترك بين الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكل من قائد الجيش الوطنى خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح؟!
الإجابة هى لا، والسبب ببساطة أن أى حل سلمى حقيقى ودائم سيقضى على أحلام تركيا وجماعة الإخوان، وسائر الميليشيات التى تحكم سيطرتها على العاصمة الليبية طرابلس وبعض المدن الأخرى منذ إسقاط نظام الرئيس معمر القذافى نهاية عام ٢٠١١ على يد قوات حلف الأطلسى.
دعونا نتذكر أن استبداد القذافى طوال أربعين عاما، ونموذج حكمه الكارثى هو الذى هيأ عوامل النجاح للمؤامرة الدولية لتدمير ليبيا. حكم القذافى هو الذى قضى على كل مقومات الدولة، وحتى الجيش تم حله وصار مجرد مجموعات وكتائب بأسماء أبنائه وبعض مساعديه.
هذا الوضع إضافة إلى عوامل جهوية واجتماعية وقبلية ودينية، تزيد من عوامل عدم الاستقرار فى ليبيا. الأمر الذى يجعلنا نظن أن ليبيا تحتاج إلى معجزة، لكى تخرج من هذه المعضلة المركبة.
ولمن نسى فإن محمود جبريل أول رئيس وزراء لليبيا عقب سقوط القذافى والذى كان مقيما فى قطر ورجلها الرئيسى فى ليبيا، اعترف بقوله إنه طلب جمع السلاح من الميليشيات والجماعات والتنظيمات التى كانت تحارب القذافى بعد سقوطه، وكانت تملك ٢٣ مليون قطعة سلاح. لكن أمير قطر السابق حمد بن خليفة، نهره علنا فى مؤتمر صحفى فى باريس، وقال له: لا تتحدث عن هذا الموضوع مرة أخرى.
هذه الرواية التى وردت على لسان جبريل أكثر من مرة تكشف بوضوح عن أن المؤامرة كانت متكاملة، ولم تأتِ عبثا، وكان الهدف الرئيسى هو سيطرة جماعة الإخوان وحلفائها من المتطرفين على السلطة، أو ترك ليبيا تغرق فى مستنقعات العنف والفوضى والإرهاب.
أردوغان الذى صار مسيطرا فعليا على اتخاذ القرار فى مناطق سيطرة الميليشيات، لن يقبل بأى حل سلمى، لأنه يعنى عمليا إخراج قواته ومرتزقته من ليبيا وبالتالى نهاية مشروعه الكبير بالمنطقة، والذى يتضمن فى شقه الليبى الاستحواذ على مقدرات ليبيا الاقتصادية خصوصا النفط، والثانى مناكفة ومكايدة ومضايقة مصر وبعدها التوسع غربا. أما الميليشيات التابعة له، فهى تدرك أن أى حل سياسى يعنى أيضا نهايتها تماما، بل وتحويل قادتها إلى المحاكمات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وتعى أيضا نهاية الامتيازات الاقتصادية المتنوعة التى تحصل عليها الآن من جراء الاوضاع الشاذة الموجودة هناك.
لمن نسى، فإن آخر انتخابات جرت فى ليبيا، لم تحصل جماعة الإخوان فيها على أكثر من ١٢٪ من مقاعد البرلمان الليبى، ولذلك انقلبت على الشرعية، وقامت الميليشيات التابعة لها والمتحالفة معها بالسيطرة على طرابلس بالقوة عبر ما سمى بقوات «فجر ليبيا».
ولمن لا يعرف تركيبة الحكم المسيطرة على العاصمة الليبية، فهناك مجموعة من الميليشيات العسكرية المسلحة، والعديد منها مصنف إرهابيا من الأمم المتحدة ودول أوروبية مختلفة.
هذه الميليشيات موحدة شكليا الآن لمواجهة الجيش الوطنى الليبى، حتى لا تخسر كل شىء. لكنها قبل ذلك، تقاتلت مع بعضها البعض، وكل تنظيم اتهم الثانى بكل الاتهامات الممكنة وغير الممكنة. بل ووصل الأمر ببعضها إلى خطف كبار المسئولين فى حكومات الميليشيات، مثلما حدث من خطف لرئيس جهاز المخابرات فى عهد حكومة حليفة الغويل!.
هذه الميليشيات تضع يدها على ثروات الشعب الليبى وتوزعها على الأنصار والمحاسيب، بل إن إيرادات النفط طوال سنوات كانت تذهب لشراء ولاءات، هذه الميليشيات إضافة إلى التورط فى توقيع اتفاقيات مع تركيا ترهن موارد البلاد لسنوات قادمة. بعد كل ذلك ما الذى سيجعل هذه الحكومة تقبل بحل سلمى دائم يحررها من كل هذه المميزات والامتيازات، وما الذى يجبر تركيا على نفس الحل الذى سيحرمها من تحويل ليبيا إلى استراحة، تجمع فيها كل مرتزقتها كما حدث حينما نقلتهم من سوريا إلى ليبيا، وقد تنقلهم إلى أى مكان آخر إذا دعت الضرورة؟!.
السؤال: لماذا يصمت العالم خاصة القوى الكبرى على تحويل ليبيا إلى بؤرة لعدم الاستقرار الإقليمى، ومن المستفيد من ذلك، وهل هناك مؤامرة دولية وراء ما حدث فى الأيام الأخيرة ؟!.