هل أنت قلق بشأن وضعك المالى فى ظل انتشار فيروس كورونا؟!
هذا السؤال قرأته فى خبر منسوب لموقع إلكترونى دولى يدعى «تصويت اليوم»، فى بدايات انتشار الفيروس.
وجاءت إجابة السؤال كالآتى: قلق للغاية ٥٢٪، قلق إلى حد ما ٢٧٪، غير قلق على الإطلاق ٢١٪.
اليوم وبعد حوالى أكثر من ثلاثة شهور من انتشار الفيروس بصورة وبائية فى مختلف أنحاء العالم، فالمؤكد أنه لو تم إعادة توجيه السؤال لمواطنى غالبية بلدان العالم، فإن نسبة القلق سترتفع بصورة واضحة.
لو جمعنا نسبة القلقين جدا مع القلقين إلى حد ما، فسوق تكون نسبتهم 77٪. وحتى نسبة الـ٢١٪ التى قالت إنها لا تشعر بأى نوع من القلق، فربما تكون قد غيَّرت رأيها.
دليلى على ذلك، أن كل كبار المستثمرين فى الصناعة والتجارة وسائر الأعمال، لديهم قلق أكبر، ربما أكثر من غيرهم. هم نظريا يملكون المال الكافى ليعيشوا بأفضل طريقة ممكنة، لكن فى المقابل فإن أعمالهم مهددة بالبوار، وأرباحهم مهددة بالتراجع، بل وربما الخسارة أو حتى التوقف الكامل، ولذلك يقول بعضهم إنهم مضطرون إلى اتباع سياسات تقشف، قد تشمل تخفيض العمالة أو تقليل مرتباتهم، لكى يستمر العمل، وكلها مشاكل وهموم وأزمات تضعهم فى «وش المدفع» مع الحكومات والموظفين والعاملين فى كل بقاع الأرض.
الموظف أو العامل البسيط صار لديه هواجس كبيرة بفقدان وظيفته، بسبب تراجع حجم الأعمال والإنتاج. قد يكون موظفو الحكومة أكثر إحساسا بالراحة النسبية وعدم القلق، باعتبار أن الحكومة ستعطيه راتبه فى كل الأحوال، لكن حتى لو كان ذلك صحيحا، فإنه سيدفع الثمن فى مجالات أخرى، منها ربما احتمال ارتفاع أسعار السلع والخدمات المتأثرة بارتفاع كورونا.
القلق بشأن الوضع المالى فى المستقبل، لن يكن قاصرا على فئة دون غيرها، وسيشمل فئات كثيرة، فى العالم أجمع. وبالطبع هناك فئات سوف تدفع الثمن أكثر. الاستثناء ربما يكون فى بعض المهن القليلة، مثل تلك المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمى وربما الخدمات الصحية، لكن التأثيرات الوقتية سيدفع ثمنها الكثيرون.
وهناك مهن قد تتعرض للانقراض، بحكم التجربة التى خرجنا بها من درس كورونا حتى الآن، خصوصا التى ثبت أنه يمكن أداؤها بعدد أقل جدا من الناس، أو من البيت من دون الحضور لمكان العمل.
القلق يصيب الجميع فى العالم، الحكومات والشعوب، الأغنياء والفقراء، ولأول مرة يتمكن فيروس واحد من توحيد المشاعر الإنسانية فى معظم أنحاء العالم، بحكم تأثيراته على غالبية البشر، خصوصا، حينما جعلهم يلزمون بيوتهم ويؤجلون أعمالهم، بل ويجمدون حياتهم إلى حد ما.
وكما يقول مدير منظمة العمل الدولية جى رايدر، فإن هناك ملايين الشركات تواجه حالة اختناق، وليس لديها مدخرات أو مصادر إقراض، ويطالب بمساعدتها حتى لا تفلس، وضرورة تبنِّى تدابير عاجلة ومرنة لدعم العمال والشركات، خاصة الصغيرة والعاملين فى الاقتصاد غير الرسمى.
من حق الجميع أن يشعر بالقلق. ومنظمة العمل الدولية حذرت يوم 29 إبريل الماضى من فقدان 1.6 مليار عامل غير منتظم وظائفهم، هم يمثلون نصف القوى العاملة فى العالم. بيان المنظمة، قال إنه مقارنة مع مستويات ما قبل الأزمة، فمن المرجح خسارة 305 ملايين وظيفة بدوام كامل، وستخسر أمريكا الشمالية والجنوبية 12.5 % من الوظائف، فى حين ستخسر أوروبا وآسيا 11.8%، وفى بقية المناطق ستصل النسبة إلى 9.5%. فقدان الوظيفة يعنى «لا طعام أو أمن أو مستقبل».
الاقتصاد الأمريكى الأقوى عالميا، سجل أسوأ أداء له منذ الكساد الكبير عام 1929، وهبط الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 4.8% على أساس سنوى فى الربع سنة الماضى، وهى أسرع وتيرة انكماش منذ أزمة عام 2008، كما هبط إنفاق المستهلكين بنسبة 7.6%، وهو أكبر تراجع منذ عام 1980.
التأثيرات التى أحدثها الفيروس، تزلزل كل التوقعات الاقتصادية. وحينما يقول المستشار الاقتصادى للبيت الأبيض: إننا سنشهد شهورا مروّعة، وأوضاعا غير مسبوقة حتى مقارنة بفترة الكساد الكبير عام ١٩٢٩، وحينما يتم التخلى عن ملايين العمال، وحينما يصاب الاقتصاد العالمى بالشلل.
حينما يحدث كل ذلك، فإن الشعور بالقلق من المستقبل المالى، بل وكل أنواع المستقبل، هو شعور طبيعى جدا، نسأل الله أن نمر منه بأقل الخسائر.