بقلم: عماد الدين حسين
إحدى الملاحظات المهمة التى يمكن استخلاصها من تظاهر مئات المواطنين فى عدة مدن مصرية مساء الجمعة الماضية، أن الإعلام الخارجى سقط سقطة جوهرية، حينما فبرك وزور واختلق العديد من الأخبار والفيديوهات، لكن ذلك لم يكن ليتم لولا الغياب شبه الكامل لوسائل الإعلام المصرية، لتنقل الحقيقة، وتلك مشكلة تتفاقم خطورتها يوما بعد يوم.
لكن السؤال الأصح هو: هل وجود الأخبار والفيديوهات المفبركة، ينفى وجود تظاهرات حدثت بالفعل فى هذه الليلة؟
الحقيقة تقول إنه فى هذه الليلة، كانت هناك بعض الاحتجاجات، هتفت ضد الحكومة وسياساتها فى القاهرة والإسكندرية والسويس والمنصورة والمحلة الكبرى.
فى تقديرى أنه حينما يخرج العشرات أو المئات للتظاهر فى بلد عدد سكانه 100 مليون، فذلك ليس خبرا مهما، لكن حينما يكون هذا التظاهر بعد طول صمت وهدوء، فتلك هى أهميته وخطورته.
فى هذه الليلة اكتشفنا أن وسائل التواصل الاجتماعى، يمكنها أن تحل محل عشرات الأحزاب والتنظيمات، بقليل من الأخبار الصحيحة، والكثير من فبركة أخبار وفيديوهات وقصص بل وحالات وفيات، رأينا أصحابها يخرجون لينفون نبأ موتهم أو مقتلهم، للدرجة التى دفعت البعض للقول: «لا يهم ما يحدث على أرض الواقع، المهم الانطباع الذى يصل إلى المواطنين» وفى هذه الليلة وكما قال البعض متندرا، فإن "من شاهد قنوات الإخوان فقد اعتقد اندلاع ثورة شعبية شاملة، ومن شاهد القنوات الرسمية فقد كان الهدوء هو السائد،اما من شاهد القنوات الرياضية فقد كان تحفيل الحدث هو تحفيل جمهور الاهلي علي الزملكاوية بعد الفوز بالسوبر"!!!.
هل نلوم المفبركين؟! حتى لو فعلنا، فلن ينهى ذلك المشكلة، فتلك هى وظيفتهم، وأحيانا لا ينكرون ذلك. لكن مرة أخرى علينا أن نسأل: كيف وصلنا إلى حالة يصدق فيها كثيرون أخبارا وفيديوهات معظمها مضروب؟!
ظنى أنه حان الوقت للتفكير فى كيفية إعادة الروح والحياة للإعلام المصرى، كى يمارس دوره الطبيعى فى نقل الأحداث والوقائع بمهنية واحترافية وتنوع فى إطار القانون، ووقتها سوف ينصرف الناس تماما عن «إعلام الترامادول» الذى يأتينا من الخارج، محملا بكل أنواع الفيروسات الملوثة.
حينما تخرج قنوات معادية لتعلن أن هناك مظاهرات حاشدة فى التحرير، فالمفترض وبعد أن ندين تحيزها وانعدام مهنيتها أن يتم نقل حى من الميدان، فى نفس اللحظة، حتى يصدق الناس أن الخبر كاذب.
من أكثر ما ضايقني يوم السبت ما كتبه الكثير من المصريين فى الخارج، كانوا يصرخون مطالبين أى معلومات عن حقيقة ما يحدث، خصوصا أنهم لا يجدون إلا الإعلام المعادى الذى يضخم ويختلق الأخبار.
فى هذه الليلة سمعنا بعض التحليلات المحدودة على قنوات مصرية، أو تبث من مصر، لكن لم نر نقلا حيا مستمرا، وهو ما كان كفيلا بأن يكشف كل ما تردد من أكاذيب. كاميرا موبايل بمائة جنيه فقط كان يمكنها أن ترد على كل ما يثار، طالما أن الميدان لم يشهد أى مظاهرات، باستثناء مجموعة طلعت حرب وأخرى فى ميدان عبدالمنعم رياض كان معظمهم يحتفل بفوز الأهلى ببطولة السوبر، ثم انضم لهم بعض النشطاء. والتقديرات الأمنية أنه جرى تركيب أصوات هتافات مسيئة على صورة بعض هذه الجماهير.
المزيفون والمفبركون لن يتوقفوا عن عملهم، لكن مرة أخرى فإن الحل ليس الاكتفاء بانتقادهم، لأن ذلك لن يوقفهم، ولكن الحل هو مزيد من الشفافية والصدق والشجاعة، فى عرض الأحداث. فى تقديرى أنه حينما يعرف المصريون أن مائة شخص أو حتى مائتين تظاهروا فى أى مكان فى بلد به أكثر من مائة مليون، فإن ذلك لا يعنى شيئا ذا بال. لكن ترك ذلك فى الخفاء قد يحول هذه المظاهرة المحدودة إلى حشود كثيرة ويخلق حالة أخطر من الانفلات.
ما حدث ليلة الجمعة لم يكن حدثا خطيرا بمقياس الكم، ورغم ذلك فالمهم ألا يتم التعامل معه باستخفاف، بل ينبغى دراسته بصورة جادة وتحليله وتفكيك كل عناصره، والإجابة عن أسئلة مثل: من الذين تظاهروا، وما هى أعمارهم وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهل جميعهم من الإخوان، أم انضم إليهم فئات أخرى؟!
ما سبق هو الملاحظة الأولى السريعة، لكن هناك العديد من الملاحظات الأخرى، خصوصا التعامل الأمنى مع هذه المظاهرات. وهذا موضوع أرجو أن أعود إليه لاحقا إن شاء الله.