بقلم: عماد الدين حسين
فيروس كورونا ربما يكون أصعب عدو واجه البشرية فى السنوات الأخيرة. وبالتالى فالمعركة ضده لا تخص دولة بمفردها، بل هى معركة الإنسانية بأكملها.
ولكى تنجح كل دولة فى مواجهة هذا « العدو الشرس»، فلابد أن ترفع شعار " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، وأن تتسلح بالأسلحة الصحيحة، وإلا فشلت فشلا ذريعا، مهما كانت نواياها الطيبة.
السلاح الأول أن من يتصدى لمواجهة هذا "القاتل الصامت" هم العلماء والأطباء والممرضون والخبراء وكافة عناصر المنظومة الصحية والأجهزة المعاونة، لأنهم هم «أهل الذكر» فى هذه الأزمة.
الفريق الأول يتولى اقتراح ووضع الخطط والسياسات والحلول، بعد مناقشات مستفيضة، أما دور الحكومة والأجهزة والإداريين والسياسيين، فهو ترجمة وتطبيق هذه الخطط عمليا.
والسؤال كيف يمكن أن نساعد «أهل العلم او الذكر» ليؤدوا دورهم ؟!.
علينا أن ننظر إلى تجارب الدول الأخرى. ليس عيبا أن نتعلم من الآخرين، طالما أنها خبرة إنسانية متاحة.
حينما كان زعماء العالم يتحدثون عنمواجهة الفيروس، فإن من حضر معهم اللقاءات والمناقشات، ووقف معهم أمام الكاميرات، كانوا هم الأطباء والعلماء وأهل الاختصاص فى المجالات المختلفة.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، على سبيل المثال، ظهر معه مسئولو المستشفيات وممثلو السلاسل التجارية المسئولة عن توفير السلع للمواطنين . ورئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، حينما أعلن عن خطته المثيرة للجدل، بشأن مواجهة الفيروس، كان يقف بجواره علماء الحكومة كريس ويتي وباتريك فالانس،وقال بوضوح إنها نتاج نقاش وجدل على نطاق واسع، مع العلماء، وانه ناقشها مع كل مكونات المجتمع، خصوصا المعارضة التى ناقشته، وقررت دعمه. ورغم ذلك، فقد خرج علماء آخرون،وقالوا إنها قد تؤدى إلى كارثة!.
المهم أن نضمن أن الفريق الذى يدير الأزمة لدينا على أعلى درجة من المهنية والتخصص، ومطلع على تطورات الفيروس عالميا، وأن يكون ذلك من مصادر موثقة، وليس مما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعى!!.
نريد لجانا علمية عليا من أهل الخبرة وليس أهل الثقة تضع لنا خططا تفصيلية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لمواجهة الفيروس.
دور مثل هذه اللجان هو وضع خريطة طريق تتضمن كل شىء. من أول اقتراح تعطيل أو إبطاء الكشوفات الروتينية للمرضى، والاكتفاء بالحالات الطارئة مرورا بمناوبات الأطباء والممرضين، نهاية بأن يعرف كل شخص فى المنظومة الطبية دوره فى مواجهة الفيروس.
مطلوب أن تقدم لنا هذه اللجان الطبية السيناريوهات المختلفة فى المستقبل القريب والممتد. ماذا سنحتاج من موارد للمواجهة، وهل نملك هذه الموارد فعلا أم لا، وإذا كنا لا نملكها فماذا سنفعل؟! هل نقرر أن نعالج الصغار فقط ونؤجل علاج الكبار كما فعلت بعض الدول الأوروبية مثلا؟!.
ما هو عدد المستشفيات وعدد الأسرّة المتاحة والمخصصة والمؤهلة لعلاج المصابين بالفيروس، وهل سيكون الفحص والكشف مجانا أم مدفوع الأجر، وما هى تكلفة ذلك، وكيف ومن أين ندبره؟ وهل لدينا أجهزة تنفس صناعى كافية للتعامل مع المرضى، إذا ــ لا قدر الله ــ زادت حالات الإصابة بصورة كبيرة، كما يحدث فى إيطاليا أو إيران أو إسبانيا؟!.
هل يمكن أن نفكر فى تطبيق عملية «الكشوفات عن بعد»، بمعنى أن المريض الذى يعانى من مرض عادى أو مزمن، لا يذهب للطبيب أو للمستشفى بل يرسل إيميلا بحالته، ويتلقى الرد، حتى نوقف الاختلاط وبالتالى تقليل عدد حالات الإصابة؟!.
النقطة الجوهرية الأخرى أن تدرس اللجنة التى تدير هذه الأزمة، إمكانية تعويض المتضررين من الوضع الراهن. هناك فئات فى المجتمع لا تعمل فى الحكومة، لكنها ستفقد عملها كليا أو جزئيا، مثل سائقى التاكسى أو عمال اليومية مثلا، فماذا سنفعل معهم؟!! على سبيل المثال فى بعض الولايات الأمريكية، اكتشفوا أهمية الوجبة المجانية التى كان يتلقاها التلاميذ، وبالتالى قرروا استمرارها خلال فترة تعليق الدراسة.
مطلوب أن نعرف حجم ما نحتاجه من مواد ضرورية مثل المعقمات والمطهرات، وما هو المتاح لدينا الآن، هذا إضافة لطمأنة الناس بشأن السلع الرئيسية، كما فعل رئيس الوزراء ووزير التموين يوم الأحد الماضى.
وعلى وسائل الإعلام أن تستمر فى تقديم توعية للمواطنين بشأن كل ما يتعلق بالفيروس، وأن تقنعهم بأن يأخذوا الأمور بجدية وأن يدرك الجميع أن اكتشاف علاج ناجح وفعال لكورونا قد يستغرق شهورا. وأن ما يحدث هو معركة كل البشرية، التى وحَّدها الفيروس مؤقتا، باعتباره يستهدف الجميع بغض النظر عن لونهم وجنسهم ودينهم.