بقلم: عماد الدين حسين
حينما تفتح وزارة الداخلية السجون أمام الصحفيين والإعلاميين والكتاب والشخصيات العامة، وبعض المنظمات الحقوقية، فهذا تطور مهم، ينبغى أن نشجع وزارة الداخلية عليه ليصبح سياسة دائمة.
كنت أحد الصحفيين الذين زاروا مجمع السجون يوم الإثنين قبل الماضى ١١ نوفمبر الحالى، وكتبت فى هذا المكان خمسة مقالات كانت بعناوين: «٤ ساعات فى سجن طرة» و«حكاية أسياخ الكفتة فى ليمان طرة»، و«ما رأيته فى سجون طرة» و«السجون.. واحة فيحاء.. أم جحيم لا يطاق؟!» وآخرها كان بعنوان «نحن.. والمنظمات الأجنبية»، ونشر يوم الإثنين ١٨ نوفمبر الحالى.
بطبيعة الحال فإن ردود الفعل اختلفت بعد النشر. أصدقاء ومعارف ومسئولون اتصلوا مرحبين أو منتقدين أو معاتبين، أو بين بين، والبعض الآخر كتب معلقا على صفحتى الشخصية على الفيسبوك، والبعض الآخر سبنى وشتمنى، والقسم الأخير لم أعد أهتم بشتائمه، لأننى صرت مؤمنا بأنه يستحيل أن ترضى الجميع خصوصا المتطرفين فى أى جانب.
أحاول دائما مخاطبة العقلاء والوسطيين فى كل الاتجاهات، ولبعض هؤلاء قلت أرجوكم أقرأوا المقالات الخمسة، كوحدة موضوعية واحدة، وليس من العدل أن تختاروا مقالا واحدا أو فقرة مجتزأة، وتتعاملوا معها باعتبارها صلب الموضوع. حاولت جاهدا أن أكون موضوعيا، وأنقل وجهة نظر إدارة السجون بكل أمانة، طبقا لما تحدث به اللواء هشام عز العرب مساعد وزير الداخلية للسجون، واللواء علاء الأحمدى مساعد الوزير للعلاقات العامة والإعلام، واللواء هشام يحيى مساعد الوزير لقطاع حقوق الإنسان، وكذلك نقل ما شاهدته بعيونى فى الجولة الميدانية المرتبة لنا، وختاما تمنيت أن تعالج إدارة السجون أى ثغرات أولا بأول، وترد على الشكاوى التى يتحدث بها أهالى بعض السجناء أو المحبوسين احتياطيا، وألا تنشغل كثيرا ببعض منظمات حقوق الإنسان الموجودة بالخارج، باعتبار أن غالبيتها مختلفة جملة وتفصيلا مع الحكومة المصرية، وصارت تدافع عن وجهة نظر سياسية وليست مهنية.
من المهم أن ننظر إلى صورتنا نحن ونعمل على تحسينها وسد الثغرات أولا بأول، ومن المهم أيضا أن يشجع المجتمع وزارة الداخلية على المزيد من الانفتاح، وعلى اتخاذ المزيد من الخطوات، خصوصا التعاون مع المجتمع المدنى المصرى، بما يساعدها فى العديد من المجالات ومنها السجون، وحكت لى الكاتبة الصحفية نوال مصطفى عن النموذج الإيجابى الذى قدمته جمعيات أهلية رائدة فى خدمة السجناء وتحسين أوضاعهم، مثل جميعات رعاية أطفال السجينات، وجمعية رعاية السجناء، ومؤسسة حياة، وجميعهم يتحدثون عن تعاون بناء مع وزارة الداخلية لتسهيل عملهم.
وأكرر مرة أخرى علينا ألا ننشغل بمواقف بعض الجمعيات الخارجية، لكن فى نفس الوقت علينا أن نتعامل بجدية مع المنظمات الدولية المهمة خصوصا التابعة للأمم المتحدة، وفى هذا الصدد أرى العديد من النقاط الإيجابية، التى حققتها الحكومة المصرية خلال المراجعة الدورية لحالة حقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فى جنيف قبل أيام، الوفد المصرى بقيادة الوزير عمر مروان رد على ٣٧٤ توصية، وملاحظة واستفسار من ١٣٣ دولة، الوفد قبل بعض التوصيات، وأجل الرد على البعض الآخر لمزيد من الدراسة، وبالطبع سيرفض بعض الانتقادات التى يراها غير صحيحة.
وأعجبتنى الرؤية الإيجابية التى قدمتها الوزيرة السابقة والسفيرة مشيرة خطاب فى مقالها بالأهرام يوم الجمعة الماضى. وانتهت فيه إلى القول «إن الصورة المشرفة التى خرجت بها عملية المراجعة، لا تعنى الاحتفال بقدر ما تتطلب المتابعة والعمل المستمر».
مرة أخرى أتمنى أن تواصل الحكومة المصرية هذا المنهج المنفتح، وترد على كل الانتقادات الدولية والإقليمية والمحلية، ما دامت تملك ردودا حقيقية وموضوعية، وفى نفس الوقت عليها أن تفضح وترد بكل قوة وعنف على التوصيات والمواقف المسيسة خصوصا تلك التى تقدمها جهات مشبوهة.
الكلام السابق قد يغضب البعض من أولئك الذين يؤمنون فقط بالمباريات والنهايات الصفرية، ويعشقون نظرية إما الحصول على كل شىء أو لا شىء، هو منطق ثبت أنه لا يعود بنتائج إيجابية، بل يعمق الاستقطاب والتطرف، ويطيل من أمد المشكلات والأزمات، لكن ذلك لا يعنى بأى حال من الأحوال القبول بأى أخطاء أو انتهاكات، لكن ما أقصده هو طريقة التعاطى والتعامل، وتشجيع وزارة الداخلية وكل أجهزة الدولة ذات الصلة على السير فى طريق الانفتاح على المجتمع عموما، والمجتمع المدنى خصوصا، لمزيد من الشفافية، بما يحس من أوضاع السجون ويزيد من قيمة احترام حقوق الإنسان.
طريق الإصلاح طويل، ولن ينتهى بين عشية وضحاها ويحتاج جهدا وعقلا وانفتاحا وصبرا وتدرجا والأهم يحتاج مجتمعا يؤمن حقيقة بالتعددية واحترام الآخر مهما كان هذا الآخر.