بقلم: عماد الدين حسين
فى تقدير مسئول مصرى كبير سابق أنه من دون رسالة ردع واضحة، فإن إثيوبيا ستستمر فى عنادها ومراوغتها حتى تحقق أهدافها، وأهمها تعطيش مصر، وابتزازها.
هذا المسئول قال لى هاتفيا قبل أيام، إنه يظن أن فحوى هذه الرسالة قد وصلت إلى من يهمه الأمر فى إثيوبيا.
هو يقول إن هناك قانونا كان يحكم العلاقات المصرية الإثيوبية طوال عقود، وخلاصته أنه فى حالة قيام إثيوبيا بالتأثير فى حصتنا المائية فإن مصر ستتحرك ضد إثيوبيا بكل الوسائل بما فيها العسكرية.
فى تقديره إنه لا حاجة لمصر فى ضرب سد النهضة مباشرة؛ لأنها لو فعلت، فقد يتسبب ذلك فى كارثة للسودان، وأضرار كبيرة على مصر نفسها وتشويه صورتنا إفريقيًّا ودوليًّا. وهو ما لا نقبله أو نرضاه، سواء لنا وللشقيقة السودان.
ورغم ذلك فإن هذا المسئول يقول إن إثيوبيا تدرك تماما أنها إذا لم تتوصل لاتفاق نهائى وملزم وعادل مع مصر، فإنها لن تحصل على أى عوائد من التنمية التى تتمناها. على سبيل المثال إذا كنا لن نضرب السد، فمن الممكن وبسهولة جدا ضرب أى محطة كهرباء ستقوم بإنتاج أو توزيع او نقل الكهرباء من السد لأنحاء إثيوبيا او لتصديرها للخارج.
تقول إثيوبيا ليل نهار لشعبها وللعالم إن هدفها من السد تنمية إثيوبيا وإنارة القرى والمدن الغارقة فى الظلام، ومصر تعلن دائما أنها لا تعارض ذلك، بل عرضت المساهمة فى المشروع، بكل ما تمتلكه خصوصا فى مجال الطاقة، لكن عندما تكون المعادلة هى إنارة إثيوبيا وزراعة أراضيها مقابل تعطيش مصر وابتزازها، رغم أن الأمطار المتساقطة عليها تصل إلى أكثر من ٩٥٠ مليار متر مكعب سنويا، يعنى أن مصر لن يكون لديها خيار غير تعطيل كل الأحلام الإثيوبية وإجهاضها، حتى يتم إعادة إحياء المعادلة القديمة بين البلدين، وهى إما تعاون مشترك أو خسارة مشتركة.. علينا أن نذكر الإثيوبيين بما كان يقوله رئيس الوزراء الاسبق ميليس زيناوى: «نحن فى مركب واحد، أما أن ننجو معا أو نغرق معا». ونقول لهم بوضوح: «أنتم تصرون ليس فقط على النجاة بل تحاولون السيطرة على كل المركب وتدفعونه دفعا للغرق مع سبق الإصرار والترصد».
أغلب الظن أن مقولة زيناوى كانت لتخديرنا، وأكرر هنا ما كتبه أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية الأسبق والأمين العام الحالى للجامعة العربية، ومذاكراته القيمة «شهادتى» بأن زيناوى وقع مع مصر فى القاهرة اتفاقا إطاريا عام ١٩٩٣، يقر فيه بكل الحقوق المصرية، خصوصا حصتها وعدم إقامة سدود إلا بعد موافقتها، وبعد أقل من عامين أعلن الانسحاب من الاتفاق، وعندما استغربت القاهرة موقفه، قال «لقد وقعنا الاتفاق حينما كنا ضعفاء، والآن لم نعد فى حاجة إليه»!!.
من الواضح أن هذا هو صلب الموقف الإثيوبى، سواء كان الحاكم هو هيلاسلاسى الامبراطور، أو منجستو هيلى ماريام الشيوعى، أو زيناوى، الذى قاد الانقلاب عليه أو ديسالين الذى خلفه، أو آبى أحمد الذى يزعم أنه ليبرالى ديمقراطى منفتح على الجميع!.
هم يختلفون فى أمور كثيرة، لكنهم للأسف يتفقون على شىء واحد هو الإضرار بمصر، بزعم أنها المسئولة عن فقرهم وتخلفهم.
فى ٢٠١١ و٢٠١٥ لم نكن فى أفضل أحوالنا، ونحن أقوى الآن عسكريا واقتصاديا وسياسيا، لم يكن لدينا الرافال أو الميج ٢٩ أو السوخوى ٣٥، ولا حاملتا الطائرات الميسترال، ولا الغواصات والفرقاطات الحديثة.. فى الفترة الماضية كانت أمريكا تعطينا الاسلحة وقطع الغيار بالقطارة، والآن يمكننا الحصول على مختلف وأحدث أنواع الأسلحة من كل دول العالم، خصوصًا روسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والصين، بجانب الولايات المتحدة.
يعود المسئول ليقول لى: مهم جدا أن تكون رسالتنا قوية ورادعة، لكن من المهم أيضا أن نشهد العالم كله أننا كنا أنصار سلام، وأننا بذلنا كل الجهد للوصول إلى تسويات واتفاقيات عادلة، لكن الطرف الآخر كان شديد التعنت والتصلب والمراوغة.
يضيف المسئول السابق: «الخيار العسكرى ستكون له أضرار كثيرة، وقد يؤدى إلى مشاكل كثيرة لمصر إفريقيًّا وعالميًّا، وبالتالى فلن نلجأ له إلا فى اللحظة الأخيرة، حينما يشهد العالم كله أننا فعلنا كل ما فى وسعنا لتجب هذا الخيار.. وأننا فعلنا ذلك من أجل حفظ حقنا فى الحياة».
يختم المسئول كلامه قائلا: «أطمئن المصريين أن حقوقنا لن تضيع، والقيادة السياسية واعية لما تفعله.. المهم أن يتكتل المصريون جميعا حتى نمر من أصعب الأزمات التى مررنا بها ربما منذ عقود طويلة».