بقلم: عماد الدين حسين
كنت أتمنى وجود مركز مصرى معتمد وحقيقى لقياس نسبة المشاهدة للحلقة رقم «٢٨» من مسلسل الاختيار ليلة الخميس الماضى.
وإلى أن يكون لدينا مثل هذا المركز، فإننى أتوقع أن عدد مَنْ شاهدوا هذه الحلقة ــ التى تم فيها الهجوم على كمين البرث جنوب رفح، واستشهد فيه أحمد صابر منسى وغالبية رفاقه ــ هو الأعلى على الإطلاق هذا الموسم فى البرامج والمسلسلات والأفلام المصرية.
أقول ذلك انطلاقا من أن غالبية مَنْ أعرفهم كانوا حريصين على مشاهدة المسلسل، لكن حرصهم على مشاهدة هذه الحلقة تحديدًا كان أكبر.
شركة سينرجى المنتجة للمسلسل تصرَّفتْ بصورة موفقة، حينما قررت إذاعة الحلقة كاملة ومتصلة من دون أى فواصل إعلانية، رغم أن ذلك قد يكلفها خسارة مادية، لكنه سيضمن للمشاهدين أكبر نسبة تركيز ومتابعة وفهم واستيعاب فى المعانى والأفكار المتضمنة فى الحلقة، وكذلك عدم خلط مشاهد الاستشهاد، مع إعلانات تجارية عن شركات الهواتف والبنوك أو «قطونيل»!!
تعلق المصريين أو لنقل غالبيتهم لمشاهدة هذا المسلسل هو دليل جديد على رفضهم للإرهاب والعنف والتكفير والتطرف والتجارة بالدين.
كتبت يوم الثلاثاء ١٢ مايو تحت عنوان «الاختيار».. يفضح الإرهابيين أمام البسطاء، إن أحد أهم جوانب المعركة بين الشعب من جهة والإرهابيين هو «الوعى»، وأن هذا المسلسل نجح بدرجة كبيرة فى كشف كذب الإرهابيين بأنهم يتحدثون باسم الدين أو أنهم «بتوع ربنا».
وأضيف اليوم أن المسلسل أكد على حقيقة مهمة جدا وهى أن غالبية المصريين يصعب على أى جهة أو منظمة أو جماعة أن تضحك عليهم أو تخدعهم باسم الدين أو باسم أى شعار آخر. قد ينجح البعض فى خداعهم لفترة قصيرة، لكن ذلك لا يستمر. والأمثلة فى التاريخ البعيد أو القريب لا تعد ولا تحصى. وآخرها مسلسل «الاختيار».
الصديق والإعلامى الكبير محمد عبدالله رئيس تحرير مجلة الشباب السابق، بعث لى برسالة بعد نهاية حلقة الخميس الماضى تقول: «لو الكلية الحربية فتحت الباب لقبول دفعة استثنائية بعد مسلسل الاختيار، فإن مصر كلها سوف تتقدم للالتحاق بها».
قد تكون العبارة عاطفية، لكنها صحيحة إلى حد كبير. وهى تؤكد لنا مرة أخرى على أهمية الدراما فى بناء الوعى الوطنى الصحيح القائم على المعلومات والحقائق.
مسلسل واحد مثل الاختيار ساهم فى معركة الوعى بصورة أفضل كثيرا من عشرات نشرات الأخبار وبعض برامج الـ«توك شو».
مشهد لمدة دقيقة واحدة ــ كما يقول محمد عبدالله فى برنامجه على الفضائية المصرية ــ أهم من محاضرة مدتها ساعتان من دون روح أو ابتكار أو محتوى جذاب.
المسلسل جعل غالبية متابعيه يعرفون سيناء وأماكنها وجغرافيتها وجبالها، وكيفية زرع الألغام، والظروف الصعبة جدا التى يعمل فى ظلها ضباط الجيش والشرطة، بل والمدنيون الذين دفعوا ثمنا غاليا نتيجة دعمهم لمعركة الوطن ضد المتطرفين.
لكن الجانب الأهم هو أن المسلسل نجح فى إعادة تثبيت الوعى الصحيح لدى فئة كادت تصدق للحظات بعض أكاذيب الإرهابيين، أو لنقل إنها ابتعدت تمامًا عن مشاهدة الصراع والمعركة، وهو أمر يصب أيضا فى جانب التكفيريين.
أعرف سيدة تعارض الحكومة فى معظم توجهاتها، قالت لى بعد أن بدأت تتابع المسلسل ــ وتأكدها أنه يعبر عن وقائع حقيقية إلى حد كبير وليس مجرد مشاعر عاطفية أو معالجة درامية ــ إنها أدركت الآن خطورة استمرار هذا الفكر التكفيرى على مستقبل هذا الوطن.
صديق آخر قال لى: «أعرف أن المقدم أحمد منسى قد استشهد فى كمين البرث عام ٢٠١٧، لكننى وأنا أشاهد المسلسل كنت أمنِّى نفسى ألا يحدث ذلك، وأن يصل المدد والمساعدة للكتيبة ١٠٣ صاعقة بسرعة.
سيدة ثالثة أقسمت لى أنها فى كل مرة كانت تشاهد حلقات المسلسل كانت تبكى بحرارة، وتتصور نفسها مكان أم أو زوجة الشهداء.
ماذا يعنى كل ما سبق؟
يعنى ببساطة أن مسلسلا دراميا أو فيلما مصنوعا جيدا، ويعبر عن قصص حقيقية لأبطالنا ــ قادر على نسف كل ما يبنيه الإرهابيون فى سنوات من الإشاعات والأكاذيب والأفكار المغلوطة والدين المشوه.
لدينا مئات القصص من البطولة والتضحيات والتصدى والاستشهاد لأبطال القوات المسلحة والشرطة والمدنيين فى سيناء وغيرها.
نجاح «الاختيار» يغرى بتحويل العديد من هذه القصص إلى مسلسلات وأفلام ناجحة، حتى نقصر من زمن المعركة ضد الإرهابيين والتكفيريين.