بقلم: عماد الدين حسين
بعد ٣٠ دقيقة فقط من فتحه، امتلأ شاطئ جاكسونفيل الشهير بولاية فلوريدا بحشود من السكان يوم السبت «١٨ إبريل الحالى». السكان المتحمسون كانوا يسارعون الخطى للوصول إلى الشاطئ. وتظهر الصور تلاصق الناس بصورة غير طبيعية، علما أن الإصابات فى فلوريدا سجلت فى هذا اليوم أعلى معدل لها. بعدها بأيام قليلة بثت قناة «سى إن بى سى» عربية تقريرا مصورا من شواطئ ولاية كاليفورنيا، تظهر امتلاء وازدحام الشاطئ بالرواد بعد فترة قليلة من الفتح الجزئى للشاطئ، وهو أمر أرجعه كثيرون إلى موجة حارة ضربت الولاية.
الملاحظة الرئيسية فيما حدث فى كل من فلوريدا وكاليفورنيا هو عدم التزام السكان بالقاعدة الأساسية وهى التباعد الاجتماعى واتخاذ الخطوات والإجراءات الاحترازية، للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا.
قد يسأل البعض ولماذا نتحدث عن فلوريدا وكاليفورنيا؟
أردت من هذا المثال أن ألفت نظر الجميع أنه لا أحد راض عما يحدث فى مجتمعه بشأن الالتزام بالإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا. فإذا كانت ولايتان كبيرتان ومهمتان مثل فلوريدا وكاليفورنيا فى الولايات المتحدة غير قادرتين على الالتزام بالقواعد، فمن العدل ألا نظلم بقية البلدان.
لا أبحث عن مبررات للتهاون فى تطبيق الإجراءات الاحترازية، وأمس الأول الجمعة كتبت مطالبا بإظهار العين الحمراء للمستهترين بالحظر، لكن أحاول لفت النظر إلى وجود ظاهرة مهمة فى غالبية المجتمعات التى هاجمها فيروس كورونا. وهى أن المجتمعات ووسائل الإعلام فى غالبية هذه البلدان غير راضية عن طرق المعالجة والمواجهة سواء من جانب الحكومات أو المواطنين. وباستثناءات قليلة جدا فإن كل شعب أو مجتمع يعتقد أن حكومته مقصرة فى كيفية المواجهة.
وسائل الإعلام الأمريكية تهاجم الرئيس دونالد ترامب ليل نهار لأنه من وجهة نظرها تعامل باستخفاف مع الفيروس فى بدايته وتأخر كثيرا فى اتخاذ إجراءات سريعة لمواجهته.
وهناك حكومات غربية تتهم الصين بأنها تأخرت فى تحذير العالم من الفيروس قبل شهرين من انتشاره بصورة وبائية.
وفى السويد هناك انتقادات بأن الحكومة تضحى بكبار السن بتطبيقها لسياسة «مناعة القطيع»، قبل أن تعدل هذه السياسة.
نفس الشكوى يقولها الكثير من البريطانيين الذين دفعوا ثمنا غاليا حتى الآن.
الإيطاليون لهم العديد من الشكاوى، ليس فقط من حكومتهم، ولكن من الاتحاد الأوروبى، فهم يعتقدون أن أوروبا تخلت عنهم.
بعض الإيرانيين يعتقدون أن حكومتهم أخفت خطورة المرض فى البداية، قبل أن تضطر للاعتراف بالمأساة. وحكومات خليجية تتهم إيران بأنها صدّرت الفيروس لها. والمعارضة التركية تتهم حكومة رجب طيب أردوغان، بأنها ظلت صامتة فى البداية خوفا على السياحة، ثم اضطرت للاعتراف بالحقيقة التى أوصلتها للمركز السابع عالميا فى الإصابات.
وهناك اتهامات مختلفة ومتباينة تلقتها غالبية الحكومات العربية، وأهمها أن البنية التحتية الصحية لديها منهارة ومتراجعة خصوصا فيما يتعلق بالصحة الأولية والطب الوقائى.
لكن هناك أيضا اتهاما موجها إلى قطاعات كبيرة من الشعوب، منها انعدام الوعى وغياب ثقافة الالتزام بالقواعد الاحترازية مثلما حصل فى فلوريدا وكاليفورنيا. نرى ذلك بوضوح فى مصر كثيرا فى الأيام الأخيرة، خصوصا ما يتعلق بازدحام الأسواق الشعبية مثل العتبة والموسكى والمواصلات العامة. وما زاد الأمر سوءا تجرؤ البعض على إقامة الاحتفالات الصاخبة والحاشدة لمريضة تعافت أو لمائدة رحمن أو لجنازة متوفى. وقرأنا شكاوى مماثلة فى غالبية وسائل الإعلام العربية.
ظنى الشخصى، ومن خلال الرؤية الشخصية فإن معظم المصريين التزموا إلى حد كبير بحظر التجول، لكن مصر بها مائة مليون ولو أن ١٪ أو ٢٪ فقط من سكانها لم يلتزم بالقواعد فمعنى ذلك أن هناك ٢ مليون شخص يمكن أن يتسببوا فى مشكلة كبرى.
المهمة الكبرى التى ينبغى أن نعمل عليها جميعا هى توعية الذين لا يدركون خطورة المرحلة التى نمر بها، وأن نلح طوال الوقت على تدريب الناس على الالتزام بالإجراءات الاحترازية، لكن مطلوب أيضا من الأجهزة المختصة تطبيق القانون بكل شدة حتى تمر هذه الأزمة، حتى لا يدفع المجتمع بأكمله ثمنا باهظا نتيجة استهتار أو جهل قلة منه بخطورة الفيروس.