بقلم: عماد الدين حسين
الحكومات الإثيوبية المتعاقبة تحترف الكذب الفج فيما يتعلق بحقوق مصر المائية فى نهر النيل.
إحدى أبرز تلك الأكاذيب أن المعاهدات والاتفاقيات الحاكمة للعلاقة الآن تعود إلى الفترة الاستعمارية، وأن الشعب الإثيوبى، لم يكن موافقا على هذه الاتفاقيات، وبالتالى فهو ليس مجبرا على الاستمرار فى الاعتراف بها.
لا أعرف كيف تجرؤ دولة يفترض انها كبيرة ولها حضارة مثل إثيوبيا، على تكرار هذه الكذبة الصريحة دون خجل، أمام الرأى العام ناهيك عن شعبها.
تفنيد هذه الكذبة بسيط جدا، وهو أن واحدة من أهم الاتفاقيات التى تحكم العلاقة بين مصر وإثيوبيا بشأن النيل الأزرق تم توقيعها عام ١٩٠٢ فى «أديس أبابا».
فى هذا الوقت كانت إثيوبيا مستقلة تماما، ويحكمها الملك ميلنك الثانى، فى حين ان بريطانيا كانت تحتل مصر والسودان، ووقعت الاتفاقية مع إثيوبيا نيابة عنهما.
المادة الأولى من الاتفاق تتعلق بترسيم الحدود بين الطرفين باعتبار أن مصر والسودان كانتا دولة واحدة. وفى المادة الثانية تتعهد إثيوبيا بعدم تشييد أى أعمال أو سدود على النيل الأزرق، وبحيرة تانا ونهر السوباط، يكون من شأنه منع جريان النيل إلا باتفاق مع مصر والسودان.
الغريب أن إثيوبيا التى تصف الاتفاقية بأنها استعمارية فيما يخص مياه النيل، تتمسك بها حينما رسمت الحدود مع كل من السودان وإريتريا. وطبقا لمصادر سودانية متعددة فإن إثيوبيا قبل الاتفاقية استولت على أراضٍ تخص السودان، بما فيها منطقة بنى شنقول، المقام عليها سد النهضة حاليا وجاءت اتفاقية ١٩٠٢ لتشرعن هذا الاستيلاء، فإذا أرادت إثيوبيا التنصل من الاتفاقية فيما يخص المياه، فعليها أن تتنازل عما اكتسبته من أراضٍ طبقا لهذه الاتفاقية.
أيضا وبعد نهاية الحرب الحدودية الطاحنة بين إثيوبيا وإريتريا والتى اندلعت فى مايو ١٩٩٨ واستمرت حتى مايو ٢٠٠٠، وسقط خلالها آلاف القتلى، فإن المحكمة الدولية فى لاهاى حكمت بضم منطقة بادما محل النزاع إلى إريتريا، مقابل ضم مناطق أخرى كثيرة إلى إثيوبيا. حكم ترسيم الحدود، انطلق أيضا من اتفاقية ١٩٠٢ حينما كانت إريتريا جزءا من الأراضى الإثيوبية قبل أن تستقل عنها، وكان الهدف الإثيوبى الرئيسى من هذه الحرب هو احتلال مدينة عصب الإريترية حتى يكون لها منفذ على البحر باعتبارها دولة حبيسة وبالطبع فشلت فى تحقيق ذلك.
تزعم إثيوبيا أنها غير معنية باتفاقية ١٩٢٩، ولم يقل أحد إنها معنية، فالاتفاقية وقعتها الحكومة البريطانية ممثلة لمصر والسودان، مع أوغندا وتنزانيا وكينيا، وتتضمن إقرار دول حوض النيل بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وأن من حقها الاعتراض على إقامة أى مشروعات جديدة على نهر النيل وروافده.
إثيوبيا ليست معنية أيضا باتفاقية ١٩٥٩ بين مصر والسودان، وتنص على تقسيم المياه الواصلة للبلدين فيما بينهما، ولا يحق لأديس أبابا الاعتراض لأن الاتفاقية تنظم تقسيم المياه بعد أن تخرج من الأراضى الإثيوبية.
وبنفس المنطق لا يحق لإثيوبيا الاعتراض على أى مشروع مائى فى مصر من أول حفر ترعة وصولا لإقامة السدود، لأن مصر دولة مصب، وأى مشروع مائى فيها، لا يؤثر على أى دولة أخرى بحوض النيل.
فى ١٩٩٣ وحينما زار ميليس زيناوى القاهرة، وقع اتفاقا إطارىا مع مصر وجدد فيه نفس التعهد الوارد فى اتفاقية ١٩٠٢. يومها أيضا لم تكن إثيوبيا محتلة، بل كانت قد قضت على نظام منجستنو هيلى ماريام عام، وتولت الحكم «الجبهة الديمقراطية الثورة الشعبية الإثيوبية» بعد صراع أدى إلى مقتل مليون شخص وهى الجبهة التى ما تزال تحكم حتى الآن.
حينما استقر الحكم لهذه الثورة زار زيناى مصر ووقع هذا الاتفاق، ثم فوجئت القاهرة بقيام إثيوبيا بإلغاء الاتفاق عام ١٩٩٥، ووقتها قال زيناوى لمسئول مصرى التقاه: «حينما وقعنا الاتفاق كنا ضعفاء والآن نحن لسنا كذلك»!!!!.
إذا مربط الفرس ليس وجود اتفاقيات موقعة فى عهود استعمارية أو عهود تحرر واستقلال، القصة باختصار هى أن التجربة المصرية مع إثيوبيا أنها لا تؤمن إلا بمبدأ القوة.
وبالتالى فعلى مصر أن تحرص طوال الوقت، وبعد أن تمد يدها بالسلام، وبغصن الزيتون للشعب الإثيوبى، وبعد أن تشهد العالم كله خصوصا الأفارقة على ذلك، أن تكون لغة القوة حاضرة طوال الوقت، حتى تدرك إثيوبيا أنها ستدفع ثمنا فادحا، إذا أصرت على العبث بحقوق مصر المائية.