أحد المتابعين لهذا المقال، وهو شخصية عامة، اتصل بى تعليقا على ما كتبته عن الأطباء وأعدادهم وكيفية حل المعضلات التى تواجه المنظومة الطبية، تمهيدا للسير على طريق الإصلاح.
الرجل مُطلع جيد على ما يحدث فى العالم، خصوصا فى البلدان المتقدمة.
على سبيل المثال ــ وكما قال لى ــ فإن هناك دولا مثل الولايات المتحدة تشترط على كل من يريد ممارسة الطب والمحاماة أن يحصل على بكالوريوس إضافى، وبالتالى فإن الدارس لهذين العلمين يجد نفسه مضطرا للبقاء فى الدراسة أكثر من ١٢ أو ١٥ عاما أحيانا.
الطالب قد يتكلف مليون دولار فى دراسته، وربما هذا ما يفسر لنا سر ترحيب ألمانيا مثلا بكل الأطباء السوريين، ومنحهم الإقامة الفورية والتسهيلات الكثيرة. هؤلاء هدية مجانية لا تقدر بثمن.
ألمانيا التى تعانى من نقص المواليد صارت ماهرة، ليس فقط فى منح الجنسية للأطباء السوريين، بل فى استقطاب أمهر الأطباء من كل بلدان العالم، خصوصا من الهند ومصر، وهى تفعل ذلك فى مجالات كثيرة ومنها التكنولوجيا. الأطباء العرب فى ألمانيا صار لهم دور مهم فى علاج المرضى العرب الذين يذهبون إلى المستشفيات الألمانية.
نقطة أخرى مهمة وهى أن ٩٠٪ من أولاد الأطباء الكبار فى مصر كانوا يلتحقون بكليات الطب كى يعملوا مع آبائهم، ويكملوا مسيرتهم ويرثوا عياداتهم، الآن تغير ذلك إلى حد كبير، ولا يزيد عدد أولاد كبار الأطباء الملتحقين بالطب عن ١٠٪، لأن العائد منها لم يعد مجزيا.
هذه الطبقة بدأت تهجر مهنة الطب وتبحث عن مهنة أخرى مثل إدارة الأعمال أو الهندسة، أو مهن أخرى تدر الأرباح العالية والسريعة، دون انتظار سنوات طويلة فى دراسة الطب والزمالة والدكتوراة، وبعدها قد لا يوفق أو ينجح فى مجال عمله بصورة لافتة.
هذا الخبير يقول إن الدولة المصرية تنفق كثيرا على دارسى الطب، وبالتالى عليها أن تدرك أن هذا الخريج ينبغى الحفاظ عليه بكل الطرق، حتى لا نجد أنفسنا مضطرين لاستيراد أطباء من الخارج، مثلما نفعل مع مدربى كرة القدم وندفع لهم مئات الآلاف من الدولارات.
الحفاظ على الأطباء، ينبغى أن يكون فى إطار نظرة شاملة للحفاظ على كل الثروة البشرية، خصوصا فى التخصصات النادرة.
فى بعض المستشفيات الشهيرة والمعروفة جدا فى الغرب هناك مدة صلاحية لشهادة ممارسة الطب مثلا بثلاث سنوات، وبعدها تصبح لاغية، ما لم يقم صاحبها بتقديم دراسات وأبحاث ويتم اختباره، حتى يتأكد المجتمع أنه على دراية جيدة بآخر ما وصل إليه علمه من تطورات جديدة، فى حين أن لدينا مشكلة نحن فى مصر، وبعض دول المنطقة العربية، تتمثل فى أن المعرفة والخبرة الموجودة لدى بعض الأطباء ربما هى نفسها حينما تخرج من كليته منذ عشرات السنين.
الفكرة الجوهرية التى يطرحها هذا الخبير هى ضرورة الاطلاع بصفة مستمرة على ما يفعله العالم فى هذا الصدد، ليس فقط العالم المتقدم، بل دول أخرى موجودة فى المنطقة.
الشهادة هناك ليست لمرة واحدة فرخصة ممارسة ومزاولة المهنة يتم تجديدها كل فترة، حتى يتم ضمان تحصيل آخر ما توصل إليه العلم فى مجاله، ويتم اختباره بصورة جادة وليس فقط مجرد تقديم أوراق روتينية، نعلم أنها قد لا تكون صحيحة فى أوقات كثيرة.
انتهى كلام هذا الخبير، وأوافقه على الأفكار العامة تماما، ومرة أخرى لابد أن تكون لدينا بيانات ومعلومات كاملة عن كل ما يتعلق بالمنظومة الطبية، حتى يسهل علينا علاج المشكلة بصورة سليمة ومن جذورها.
الخطوة الأولى والرئيسية هى أن يتم إغراء الطلاب بدراسة الطب وتأهيلهم بصورة أساسية، مع منح الخريجين وطلاب الامتياز مرتبات معقولة وضمان التدريب والتأهيل والدراسة المستمرة بعد التخرج، وبالطبع لن يتم ذلك إلا فى إطار إصلاح منظومة التعليم من أول الحضانة ورياض الأطفال، نهاية بالدراسات العليا.