بقلم: عماد الدين حسين
لو نظرنا حولنا فسوف نكتشف أن هناك حزاما من النار صار يطوق مصر من كل الجوانب تقريبا.
هذا الخاطر فكرت فيه عصر يوم الخميس الماضى، حينما أعلن الجيش السودانى عزل الرئيس عمر البشير والتحفظ عليه والاستيلاء على السلطة وتعديل الدستور.
بعيدا عن رأى كل منا فيما يحدث فى السودان وليبيا وغزة وعموم فلسطين المحتلة والجزائر ومنطقة الخليج والشام، فإن هناك طوقا من التوتر والعنف والارهاب وغياب الاستقرار فى غالبية مناطق الوطن العربى، خصوصا فى البلدان المجاورة لنا مباشرة. لنتفق أو نختلف حول حقيقة وسبب وتداعيات ما يحدث، لكن لن نختلف على أن الأوضاع فى المنطقة المحيطة بنا شديدة التوتر، وأن فرص تأثيرها على الأمن القومى المصرى كثيرة ومعظمها بصورة سلبية للأسف الشديد.
ليبيا هى عمقنا القومى ولنا حدود برية معها تمتد لحوالى 1200 كيلومتر. عبر هذه الحدود تسلل ويتسلل إرهابيون لتنفيذ العمليات الإرهابية فى مصر بل وقاموا بقتل وخطف عشرات المصريين العاملين فى ليبيا فى سرت ودرنة وغيرهما.
فى هذه الأيام يقوم الجيش الليبى بمحاولة تطهير العاصمة طرابلس من الميليشيات المسلحة، وتدور حرب طاحنة هناك، قد تؤدى إلى توحيد ليبيا فعلا تحت سلطة مركزية واحدة. لكن هناك احتمال ايضا لأن تتطور الأمور إلى أسوأ سيناريو ممكن، بحيث نجد الميليشيات والتنظيمات الارهابية على حدودنا. والسيناريو الثالث أن تستمر الأمور، كما هى، أى ميليشيات وجماعات جهوية وطائفية وعرقية تتحكم فى كانتونات متناثرة وهو أمر خطر أيضا على أمننا القومى.
الحدود السودانية لم تكن هادئة تماما لوقت طويل، لكنها الآن صارت متوترة جدا، على خلفية احتجاجات مئات الآلاف من الاشقاء ضد نظام البشير، حتى تمكنوا عصر الخميس الماضى، من عزله، بل وعزل رئيس المجلس الانتقالى عوض بن عوف بعد 24 ساعة فقط من توليه.
بالطبع نتمنى الاستقرار للشعب السودانى الشقيق وأن يتمكن من إقامة حكم مدنى ديمقراطى يقود لدولة حديثة، لكن هناك فى المقابل احتمالا خطيرا، وهو استمرار التوترات ومناخ عدم الاستقرار لفترة من الزمن، خصوصا فى ظل الصراع ما بين القوى السياسية والشعبية والمجلس الانتقالى.
إذا استمرت الأوضاع هكذا ــ لا قدر الله ــ فهى تهديد مباشر أيضا للأمن القومى المصرى، الذى يعتبر السودان المستقر والموحد هو عمقه الاستراتيجى وكل ما يؤثر فيه، ينتقل كالعدوى إلى شمال الوادى.
نفس الأمر فى قطاع غزة الذى يعيش أوضاعا مأساوية سببها الأساسى الحصار الإسرائيلى المستمر، ثم الانقسام بين فتح وحماس وأخيرا إصرار حماس على الانفراد بإدارة القطاع، حتى لو كان ذلك يمثل مصلحة إسرائيلية استراتيجية، لم يحاول بنيامين نتنياهو اخفاءها أخيرا.
الأوضاع فى القطاع بائسة، وهو يتعرض لعدوان إسرائيلى شبه مستمر. ثم إن الأوضاع فى إسرائيل نفسها صارت مقلقة، فنفوذ اليمن المتطرف يزيد بصورة واضحة، وهو ما نراه فى القمع المنظم ضد الفلسطينيين أو استمرار انتهاك حرمة المسجد الأقصى، وأخيرا فى نتائج الانتخابات التى أعطت معسكر اليمين المزيد من المقاعد، بما يؤكد أن الكيان الصهيونى يتجه إلى مزيد من التطرف، وبما يغرى بانفجارات كثيرة متوقعة فى المنطقة.
حتى منطقة الجزيرة العربية على الناحية الأخرى من البحر الأحمر تعيش أوضاعا صعبة، بحكم استنزافها فى حرب اليمن، أو عمليات التطرف والعنف والارهاب، أو التربص الإيرانى المستمر بغالبية بلدان الخليج العربى، إضافة إلى استمرار تأثير الأوضاع غير المستقرة فى سوريا أو حتى استمرار عمليات داعش المتفرقة فى العراق.
هذه هى الصورة البانورامية التى تحيط بمصر فى اللحظة الراهنة، وإذا أضفنا إلى العوامل الخارجية الأزمة الاقتصادية وتداعياتها، خصوصا الاستمرار فى ارتفاع الأسعار فعلينا أن نرى صورة صعبة للغاية.
هذا المشهد الملتبس يحتاج إلى أقصى درجات الحكمة، وفى مقدمة ذلك تفادى كل الأسباب التى تقود إلى الانفجارات فى المنطقة المحيطة بنا. وأول قراءة صحيحة هى إدراك أن المؤامرة الخارجية، ليست هى السبب الوحيد فى أزمات دول الجوار، بل غياب التوافق وشيوع ثقافة الإقصاء والاستبداد والفساد بأشكاله المختلفة.