بقلم: عماد الدين حسين
يسأل البعض مستغربا: كيف يكون هناك قرار دولى من الأمم المتحدة بحظر تصدير الأسلحة إلى مختلف أطراف الصراع فى ليبيا، فى حين أن تركيا أدخلت مختلف أنواع الأسلحة تحت سمع وبصر قوة «إيرينى» الموكلة بتنفيذ قرار حظر الأسلحة؟!
البعض يسأل أيضا: كيف تندد الدول الأوروبية والولايات المتحدة بالإرهاب والإرهابيين لفظا، فى حين تسمح وتعترف بحكومة تقودها الميليشيات الإرهابية فى طرابلس، بل وتترك تركيا تدخل أكثر من ١٢ ألفا من المرتزقة والإرهابيين إلى الأراضى الليبية؟!
قد يتطوع البعض ويجيب قائلا إن الأمم المتحدة والمجتمع الدولى عموما، ومن بينه أوروبا وأمريكا اعترفوا باتفاق الصخيرات الموقع فى المغرب عام ٢٠١٧، هذا صحيح، ولكن أحد أبرز بنود هذا الاتفاق هو فك الميليشيات وتشكيل جيش وطنى موحد، ومجلس رئاسى يمثل كل أطياف المجتمع، وتوزيع عادل للثروات، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
النقطة الجوهرية هى أن على الليبيين الشرفاء وبقية العرب ألا يراهنوا كثيرا على ما يسمى بالمجتمع الدولى!
مصطلح «المجتمع الدولى» خرافة كبيرة، ونرددها ليل نهار فى المنطقة العربية، من دون أن ندرك معناها.
أولا وبصورة عملية يندر أن يتفق المجتمع الدولى على شىء واحد فى معظم الأوقات، والمؤكد أن القوى الفاعلة فى هذا المجتمع الدولى لها مصالح متناقضة وبالتالى، فلن يتفق المجتمع الدولى على شىء واحد، بل قد يوافق على اتفاق أو تسوية أو حل يحقق لكل طرف أفضل ما تتيحه الظروف القائمة.
أى متابع ومراقب للأزمة الليبية سوف يدرك أن هناك انقساما كبيرا بشأن كيفية حلها، منذ سنوات طويلة، وقد تعمق هذا الانقسام فى الفترة الأخيرة.
هناك طرف يدعم مجلس النواب الشرعى والمنتخب ومعه الجيش الوطنى الليبى، وفى هذا الطرف تقف مصر والسعودية والإمارات والأردن والبحرين، وهذا الطرف يعترف باتفاق الصخيرات، لكن شرط تفعيله وتطبيقه على الأرض. ودوليا تدعم كل من روسيا وفرنسا واليونان وقبرص هذا الاتجاه، وتعارض بشدة أى تمكين للميليشيات والتنظيمات المتطرفة فى ليبيا، خصوصا المدعومة من تركيا.
الطرف الثانى يدعم حكومة الوفاق وعلى رأس هؤلاء تأتى تركيا، التى أرسلت قوات ومعدات وأسلحة ومرتزقة لدعم هذه الميليشيات المدعومة أساسا من جماعة الإخوان والعديد من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة الأخرى، إضافة لتنظيمات كان نشاطها الأساسى الإجرام وتهريب البشر عبر البحر المتوسط.
عربيا فإن حركة النهضة الإخوانية فى تونس تدعم هذه الحكومة، وهنأت تركيا بالانتصارات الميدانية الأخيرة. أما موقف الجزائر فهو شديد الغموض وإن كان يعارض سيطرة الجيش الوطنى على طرابلس الأمر الذى يصب فى صالح حكومة الوفاق.
ودوليا فإن إيطاليا أحد أبرز الداعمين لهذه الحكومة لمصالح تتعلق أساسا بالاقتصاد والطاقة. أما الموقف الأمريكى فهو شديد التغير ويعطى إشارات متناقضة فى أكثر من مرة.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اتصل بخليفة حفتر مطولا، وأعطى إشارات أنه يعارض سيطرة التنظيمات الإرهابية على ليبيا، وبعد شهور اتصل بفايز السراج، وأعطى إشارات عكسية. وأغلب الظن أنه أعطى الضوء الأخضر لرجب طيب أردوغان كى يرسل قواته ومرتزقته إلى ليبيا، وربما يكون الهاجس الأكبر بالنسبة لترامب وأمريكا، هو الخشية من تزايد النفوذ الروسى فى ليبيا وبالتالى فى البحر المتوسط، بعد أن وطدت موسكو أقدامها فى سوريا وتلك قصة تحتاج إلى مناقشة لاحقة، إضافة إلى الخوف من تأسيس نفوذ صينى جديد.
إذا على البلدان العربية، خصوصا التى تبحث عن حل حقيقى ودائم للأزمة الليبية، ألا تنتظر اتفاق ما يسمى بالمجتمع الدولى، على حل حقيقى ودائم. كل دولة فى هذا «المجتمع الدولى» تبحث عن مصالحها، وبالتالى علينا أن نتصرف بطريقة عملية تحفظ مصالحنا المصرية وبما يحافظ على الأمن القومى العربى بمعناه الحقيقى.
نعم علينا أن نسعى لحشد أكبر دعم دولى وعربى لإعلان القاهرة الموَّقع يوم السبت الماضى لحل الأزمة الليبية، لكن علينا أيضا أن نكون مدركين التعقيدات الكثيرة التى تكتنف هذا الملف وخطورة المشروع التركى للسيطرة على المنطقة بأكملها وربما يكون السؤال الأهم الآن هو: هل هناك نوايا دولية لتقسيم ليبيا لثلاثة أقاليم، وهل توافقت موسكو وأنقرة على هذا الأمر ومعهم أوروبا، أم أن المفاجآت الحقيقية لم تحدث بعد؟