بقلم: عماد الدين حسين
ما التقى صحفيان عربيان هذه الأيام، إلا كان ثالثهما الحال الصعب جدا الذى وصل إليه حال الإعلام العربى، والخوف الداهم من المستقبل!
هذا الشعور داهمنى بقوة، خلال مقابلاتى وجلساتى ونقاشاتى مع العديد من الاصدقاء والزملاء الصحفيين والإعلاميين العرب فى «منتدى الإعلام العربى»، فى دورته رقم ١٨، التى انعقدت فى مدينة دبى، يومى الأربعاء والخميس الماضيين.
كان هناك صحفيون وإعلاميون من معظم البلدان العربية، وإن كان العدد، أقل هذا العام، مقارنة بالسنوات الماضية.
خلال الجلسات وورش العمل أو حتى على طاولات الطعام أو ردهات الفندق. كان الحال الصعب الذى يمر به الإعلام العربى، هو الموضوع الأساسى تقريبا الذى يهيمن على سائر الموضوعات.
الأزمة عامة، ولا تخص دولة بعينها، هى موجودة فى مصر، وفى الخليج، وفى بلدان المغرب العربى والشام. ربما الفارق فقط يكمن فى الدرجة والتفاصيل!.
فى هذه النقاشات تكتشف فعلا أننا «أمة واحدة من المحيط إلى الخليج» بسبب تشابه ظروف أزمة الإعلام تقريبا. تقشف واسع النطاق يعانى منه الجميع تقريبا غالبية المؤسسات الإعلامية، لجأت بصورة أو بأخرى إلى عمليات تقشف كبيرة، يستوى فى ذلك الموجود فى بلاد الجنوب الفقيرة، أو بعض بلدان الخليج الغنية.
السوق الإعلامية فى الخليج صارت تتخلص من العديد من موظفيها، بعض مطبوعاتها توقفت، وبعض قنواتها الفضائية خفضت ميزانياتها، وأنهت خدمات العديد من العاملين فيها. الموارد الإعلانية انخفضت بصورة مريعة، لأسباب متعددة، منها الأزمات الاقتصادية المتنوعة، مرورا بالصراعات والخلافات الطائفية والعرقية المتجذرة، والتى جرى إغراق المنطقة فيها.
أما المشكلة الأعمق التى تضرب الإعلام العربى فى مقتل فهى مشكلة المحتوى. كنا فى الماضى نغضب ونحزن بل و«نتبطر» على تعبير هامش الحرية. الآن صرنا نحلم ونشتاق ونتمنى هذا الهامش فى العديد من البلدان العربية.
صارت غالبية الصحف والفضائيات العربية نسخا متشابهة مكررة ومملة. غياب الحرية وجه إليها ضربة شبه قاتلة، تحتاج وقتا كى تشفى منها.
القصص والحكايات عن الصعوبات المتعلقة بتراجع الحريات، تكاد تكون واحدة، مع اختلافات فى تفاصيل بسيطة. وبالتالى فإن هناك ما يشبه الإجماع على تشابه المقترحات والأفكار للخروج من هذه الأزمة. وفى المقدمة منها ضرورة توافر الحد الأدنى من هامش حرية يتيح للصحف والفضائيات والمواقع الإخبارية، أن تكون مختلفة، حتى يمكنها جذب العدد الأكبر من المواطنين العرب، بدلا من هروبهم إلى الفضائيات التابعة لقوى التطرف والظلام، أو إلى وسائل إعلام أجنبية، قد تكون متواطئة ضد العرب، ولعبت دورا كبيرا فى صب الزيت على نار الفتنة والطائفية والعرقية فى المنطقة العربية خلال السنوات الماضية.
عنوان المنتدى هذا العام: «الإعلام العربى.. الواقع والمستقبل». الواقع نعرفه جميعا، ونعيشه ونتنفسه ليل نهار. وبالتالى فإن الحديث عن أى مستقبل أفضل، يصعب تصوره تماما من دون تغيير هذا الواقع المؤلم، ولو قليلا.
وحتى لا تكون الصورة قاتمة تماما، فقد قابلت فى المنتدى شبابا عربيا من الجنسين خصوصا حديثى التخرج من الجامعات. هم تلقوا تعليما متميزا، يتحدثون لغات أجنبية كثيرة وبطلاقة، وحصلوا على دورات متخصصة واحترافية، ويجيدون التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، خصوصا وسائل التواصل الاجتماعى. هؤلاء هم المستقبل، لكن من سوء حظهم أن الأوضاع الاقتصادية شديدة الصعوبة. ومعظم وسائل الاعلام تنكمش ولا تتوسع، وبالتالى فإن فرص حصولهم على وظائف جديدة فى المهنة تبدو ضئيلة.
لو أن الحكومات العربية فكرت بهدوء وتعقل، فسوف تكتشف أن وجود إعلام وصحافة عربية متميزة يصب فى مصلحتها المباشرة، لأنه يستحيل نقل وجهة نظرها، بصورة صحيحة إلى مواطنيها، وسائر الرأى العام الداخلى والخارجى، من دون وجود وسائل إعلامية قوية ومؤثرة. إذا استمرت هذه الحكومات فى «قتل وتكميم وتفطيس ومحاصرة» الإعلام، فإنها لن تجده حينما تحتاج إليه وقت الجد، حينما تواجه صعود المتطرفين والارهابيين والمتآمرين فى الداخل والخارج!
فهل من مستمع ومستجيب؟!!