بقلم: عماد الدين حسين
فى ٢٢ يوليو من العام الماضى كتبت فى هذا المكان مقالا عنوانه «٧٥٪ ويريد كلية طب»، وخلاصته أن إحدى الشخصيات العامة، التقت د. خالد عبدالغفار وزير التعليم العالى، وقال له هامسا: يا دكتور عايزين ندخل ابنى كلية الطب!
فقال له الوزير: وابنك جايب مجموع كام يا حاج؟! فرد عليه النائب قائلا: ٧٥٪.
الوزير مازحه قائلا: «طيب ايه رأيك نخليها صيدلة؟!!». فقال الرجل: «لا طب يعنى طب!!!». فقال له الوزير جادا: «ولكن هناك مكتب تنسيق لا يستطيع الوزير أن يغيره حتى لو كان الأمر يخص أقرب المقربين له!».
فقال له النائب: أنا عارف أنه يخالف القانون، ولذلك أطلبه منك، فرد عليه الوزير بأنه لا يمكنه ذلك، فعاد النائب يلح عليه وقال له: أعرف أنك متردد لوجود عدد كبير من الناس حولنا، سأمر عليك بمقر الوزارة ليلا، بعد أن يروق الجو، وتدخل ابنى الطب!!!!!.
ضحك الوزير ولم يكن يتصور أن النائب جاد فيما يطلبه. وعندما تأكد له ذلك، أعطى النائب درسا فى القانون.
هذه القصة سمعتها من الوزير شخصيا قبل عام بالضبط، بحضور وزير التعليم د. طارق شوقى، والصديقين علاء ثابت ومحمود مسلم، فى لقاء جمعنا نحن الخمسة، واستغرق أكثر من ثلاث ساعات.
يومها كنت أعتقد أنها قصة استثنائية، لكن اكتشفت أنها تتكرر كثيرا هذه الأيام، مع فارق فى التفاصيل.
قبل أيام اتصل بى شخص. وقال لى إنه يقصدنى فى خدمة. وأن أحد أقاربه حصل على ٨٣٪ فى الثانوية العامة، ويريد أن يلتحق بالصيدلة أو طب الأسنان بأى جامعة خاصة، ويفضل أن تكون فى مدينة أكتوبر!!.
قلت له ولكن ما أعلمه أن صيدلة وأسنان حتى فى الجامعات الخاصة، تحتاج إلى مجموع مرتفع فوق الـ٩٥٪ أو لا يقل عن٩٠٪ فى كل الأحوال طبقا لقرارات المجلس الأعلى للجامعات.
قال لى: «يا سيدى حاول تزق زقة، يمكن الفرج يكون على إيدك»!!
ضحكت وقلت له بكل لطف: هذا أمر مستحيل، وانتهت المكالمة وهو يشعر بأننى لا أتعاطف مع طلبه!!!.
فى اليوم التالى اتصل بى صديق، يطلب منى أن أساعده فى تحويل قريبة له من جامعة عربية إلى جامعة خاصة داخل مصر، قلت له سأحاول، سألت المسئولين بهذه الجامعة فقالوا إن شرط التحويل الأساسى، أن يكون الطالب حاصلا على ٩٠٪ فى الثانوية العامة، وبما أن الفتاة الحاصلة على ٨٩٫٢٤٪، فلا يمكن قبولها.
بعدها بيومين، اتصل بى شخص من الصعيد، وكان له نفس المطلب لأحد أبنائه. فقلت له سأبذل كل جهدى فى إطار القانون. شكرنى ثم فوجئت به يقول لى: إن بعض الناس طلبوا منه ٨٠٪ ألف جنيه مقابل إلحاق ابنه بطب أسنان إحدى الجامعات الخاصة!!. قلت له إياك أن تفعل ذلك حتى لو كان الأمر صحيحا، ولا أظنه كذلك، والأفضل أن تبلغ الشرطة عن هذا المحتال، وانتهت المكالمة عند هذا الحد.
يوميا أتلقى عشرات الطلبات، التى يسعى أصحابها لإلحاق أبنائهم بكليات القمة. وهذا سعى مشروع ويعكس رغبة الأسر فى أن يكون تعليم أبنائهم يوفر لهم وظائف جيدة، ومكانة اجتماعية مرموقة.
لكن غير المسموح هو حالة الجنون التى تنتاب البعض، وتجعله يحاول ادخال أولاده لمثل هذه الجامعات بكل الوسائل، حتى لو كانت غير مشروعة وغير قانونية.
مادام المجموع لا يمكن الطالب من الكلية التى يريدها فليبحث عن أقرب كلية إلى ميوله.
أرجو ألا يفهم كلامى وكأننى ألوم الطلاب أو أولياء أمورهم فقط. فالمطلوب أن تسعى الحكومة لإنشاء المزيد من الجامعات حتى تستوعب الأعداد المتزايدة من الخريجين شرط ألا يزيد على حاجة السوق. المفروض أن لدينا أكثر قليلا من ٥٠ جامعة، وسمعت أكثر من مسئول يقول إن مصر تحتاج إلى مائة جامعة مقارنة بعدد السكان.
نحتاج إلى أن نقنع أولياء الأمور، أنه من المستحيل أن يدخل الجميع كليات الطب والهندسة والأسنان والصيدلة والإعلام والاقتصاد.
لو أن كل الخريجين دخلوا فقط هذه الكليات فمن سيكون المحامى والمحاسب والمهندس الزراعى والحيوانى وسائر المهن الفنية التى يحتاج إليها المجتمع. مرة أخرى نحتاج لثورة ثقافية شاملة تقنع الطلاب بالالتحاق بالكلية التى توفر له فرصة عمل وليس الجلوس على المقهى!!.