بقلم: عماد الدين حسين
بعد أن وضحت النوايا الإثيوبية الخبيثة وأنها تريد تعطيش وابتزاز مصر بسد النهضة، فإن إثيوبيا تسعى الآن إلى الترويج لضرورة عقد اتفاق جزئى بديلا عن الاتفاق الشامل.
الخطر الحقيقى أن هناك جهات دولية بدأت الترويج لذلك، بكلام تخديرى ظاهره عدم الانجرار للحرب وباطنه تمكين إثيوبيا من تنفيذ مخططها. علينا ألا ننسى أنه فى إبريل الماضى عرض رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد فكرة توقيع الاتفاق الجزئى فيما يتعلق بقواعد وإجراءات الملء الأول لسد النهضة، وكانت وجهة نظره هى الملء طبقا للاتفاق الثلاثى، ثم بدء عملية بناء الثقة بحيث يتم عقد الاتفاق الشامل والكامل خلال عامين.
قولا واحدا وطبقا لغالبية الخبراء الذين يتابعون هذا الملف بصورة يومية بل لحظية، فإن الاتفاق الجزئى خطر كبير.
من خلال متابعتى للملف، أتفق إلى حد كبير مع هذا الرأى لأسباب كثيرة، لكن أهمها أننا افترضنا حسن النية فى الحكومات الإثيوبية المتعاقبة، وقدمنا لهم السبت والأحد وكل أيام الأسبوع، لكننا لم نحصل منهم على أى شىء!!.
هدفهم الجوهرى والأساسى الذى اتضح لنا بجلاء الآن أنهم يتعاملون مع النيل الأزرق باعتباره «سدا إثيوبيا خالصا» لا يجوز لبقية البلدان المشاركة فيه والاستفادة منه، إلا بالطريقة التى تتصدق فيها إثيوبيا بما يفيض عن حاجتها.
استراتيجية إثيوبيا منذ الإعلان عن بناء السد فى إبريل ٢٠١١، هو كسب واستهلاك الوقت بكل الطرق الممكنة، حتى تتمكن من إنهاء البناء ليصبح أمرا واقعا، من دون أى اتفاق يحدد قواعد الملء والتشغيل الدائم وعدم التأثير على مصر والسودان.
هذا الأمر صار واضحا، مصر بدأت تتحرك بصورة سليمة وفعالة إقليميا ودوليا، وهو الأمر الذى أربك إثيوبيا وجعلها تفقد أعصابها وتتهم الجميع من أول البنك الدولى إلى الولايات المتحدة بأنها تحاربها، وتنحاز لمصر. إثيوبيا كما كتب الدكتور حمدى حسن على صفحته قبل أيام تحاول تسويق الاتفاق الجزئى باعتباره «مناورة الفرصة الأخيرة». موافقة مصر على اتفاق جزئى مؤقت سيعطى المشروعية للسد الإثيوبى بصورة نهائية، وحينما ترفض أديس أبابا توقيع الاتفاق الشامل والعادل خلال عامين أو عشرة، فلن تكون هناك خطوات عملية لردعها عن هذا التصرف.
نحن فعلنا كل ما يدل على حسن النية مع إثيوبيا والمطلوب الآن أن نعد أصابعنا قبل أن نتحدث معها فى أى نقطة بشأن مياه النيل، وليس سد النهضة فقط.
عدم توقيع اتفاق جزئى سيظل فى كل الأحوال أقل خطرا من عدم توقيع اتفاق بالأساس لأنه فى الحالة الأخيرة، فإن موقفنا القانونى والفعلى هو عدم الاعتراف بالسد وسيظل الموقف الإثيوبى ضد القانون الدولى وفاقدا للشرعية والمشروعية الدولية، وهذا الأمر سيعطينا الحق فى التصرف بكل الطرق لحماية حقوقنا المائية.
طبعا هناك تخوف يطرحه البعض أن عدم وجود اتفاق حتى لو جزئى قد ينسف كل ما يمكن أن نحصل عليه فى ظل ظروفنا الراهنة، وأننا قد نرتكب نفس خطأ المفاوض العربى مع الإسرائيليين فى العقود الماضية، حينما رفض كل الحلول، وكانت النتيجة أن إسرائيل تكاد تلتهم كل فلسطين.
حتى لو كان هناك وجهة نظر فى هذا الشأن، فهل ستتمكن إثيوبيا فى الظروف الراهنة من تنفيذ مخططها وهو تركيع مصر بمحبس المياه الموجود فى سد النهضة؟!!
إثيوبيا لن تغير رأيها فى شهرين أو عامين أو مائتى عام، لأن ما كشفت عنه فى الأسابيع الأخيرة هو جوهر تفكيرها الذى لم تخفه فى أى فترة من الفترات، لكنها نجحت فى المناورة حتى تكاد تقترب من تحقيقه للأسف، وخلافا لما يتوقعه كثيرون فإن مصر ما تزال تمتلك العديد من الأوراق المهمة للحفاظ على مصالحها المائية.
قد لا نكون وصلنا الآن إلى التفكير فى الضغط على الزناد، وعلينا أن نلاحظ دلالات بيان مجلس الأمن القومى الأمريكى وتغريدة «ديفيد مالباس» رئيس البنك الدولى والذى كان حاضرا وشاهدا على مراوغة وتعنت إثيوبيا خلال مفاوضات واشنطن التى هربت منها إثيوبيا فى اللحظة الأخيرة. المشوار ما يزال طويلا وعلينا أن نفكر فى تحسين أوراقنا جميعها وندرك أن الآخرين لن يتضامنوا معنا إلا إذا كان موقفنا قويا.