إلى أين يأخذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب العالم؟ وهل يمكن أن يتحمل العالم سياسة التقلب وحافة الهاوية التى يمارسها ترامب بمهارة شديدة منذ دخوله البيت الأبيض وحتى الآن؟!
فى يوم واحد هو الجمعة الماضى تحدث ترامب فى العديد من القضايا العالمية، وغير سياساته أو على الأقل طورها مقارنة باليوم الذى قبله.
ذهب ترامب إلى مدينة أوساكا اليابانية لحضور قمة دول العشرين، بمواقف محددة من العديد من القضايا، وحينما غادر المدينة، كانت المواقف واللهجة قد تغيرت.
من الواضح أن ترامب يعشق هذه الطريقة التى تعتمد على حافة الهاوية. هى تنجح أحيانا، لكن أليس ممكنا أن تفلت الأمور بحيث تقود لكارثة عالمية، ووقتها لن ينفع الندم!!
أفضل مثال على دبلوماسية المفاجآت ما فعله ترامب منذ صعوده إلى الحكم مع كوريا الشمالية، العدو اللدود لبلاده منذ تقسيم الكوريتين أوائل الخمسينيات من القرن الماضى.
قبل مجىء ترامب، كان التصعيد بين البلدين وصل إلى تهديدات بمحو مدن من الوجود. ترامب نجح فى إحداث اختراق، والتقى كيم جونج أون مرتين.
ويوم السبت الماضى قال إنه سيزور كوريا الجنوبية، ويفكر فى تفقد المنطقة الحدودية الفاصلة مع كوريا الشمالية، ويتمنى أن يلتقى كيم جونج ليقول له مرحبا فقط. هو نفذ ما قاله، والتقى كيم فى قرية بانمنجوم، وسارا معا 20 خطوة، يراها البعض اختراقا، قد يقود لانفراجة أكبر، لكن البعض الاخر يراها مقامرة دبلوماسية قد تقود إلى إحباط أكبر، بل وأحيانا إلى تأجيج الصراع أكثر، لانها تعتمد على دبلوماسية الكاريزما الشخصية وليست مناقشة جوهر الصراعات والمشاكل.
ذهب ترامب إلى أوساكا وعلاقات بلاده بالصين فى أسوأ أحوالها، بعد حرب ترامب التجارية غير المسبوقة، وادراج شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى فى قائمة الكيانات الممنوعة من العمل فى الولايات المتحدة، وبالتالى عدم تزويدها بأى معدات وتكنولوجيا، الأمر الذى رآه البعض حربا حقيقية، لكن من دون إطلاق نار. ترامب أعلن قبل وصوله إلى أوساكا بساعات بأن «اقتصاد الصين ينهار» وهم يريدون اتفاق. وبعد وصوله بساعات قليلة التقى مع الرئيس الصينى شى جين بينج، وفاجأ العالم أجمع قائلا: «نعتزم السماح مجددا للشركات الأمريكية بتوريد معدات لشركة هواوى العملاقة فى مجال الاتصال، ونحن نتحدث عن تجهيزات لا تشكل خطرا كبيرا على الأمن القومى، وأن بلاده لن تفرض رسوما جمركية جديدة على الصين».
هذا القرار رحبت به الصين واعتبرته تاريخيا، وغالبية دول العالم لأنه أوقف حربا تجارية طاحنة بين أكبر اقتصادين فى العالم، مما يسمح للعالم بأن يتنفس الصعداء قليلا، ويتجنب التباطؤ الكبير فى الاقتصاد.
ذهب ترامب إلى أوساكا وغالبية خصومه يعتقدون أنه جاء للحكم بتدخل روسى مباشر فى الانتخابات الرئاسية، وهو ما أشار اليه الرئيس الأسبق جيمى كارتر مؤخرا. ذهب ترامب لليابان وبلاده تفرض عقوبات متنوعة على روسيا لأسباب متنوعة، وألغت العديد من الاتفاقيات المهمة الخاصة بالصواريخ النووية والباليستية، لكنه خلال اللقاء مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أشاد به وربت على كتفه، ومازحه قائلا ردا على سؤال صحفى: «أيها الرئيس أرجوك لا تتدخل فى الانتخابات!!».
ذهب ترامب إلى أوساكا والكونجرس وأجهزة الإعلام فى بلاده تشن حملة ضارية على السعودية، على خلفية تقرير أعدته مقررة الأمم المتحدة الخاصة بحالات القتل والإعدام خارج نطاق القانون أنيباس كالامارد، يقول إن الحكومة السعودية ومسئولين كبار فيها يتحملون مسئولية قتل الصحفى جمال خاشقجى. لكن ترامب التقى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، وأشاد به كثيرا، ورفض بأكثر من صيغة فرض عقوبات، أو وقف تصدير الأسلحة للمملكة، قائلا بلغة برجماتية واضحة: «إذا أوقفت الصفقات التجارية والعسكرية مع السعودية، فسوف تذهب فورا إلى الصين وروسيا»!!
أما أوضح تجليات هذه السياسة فكانت مع إيران، التى أسقطت طائرة امريكية مسيرة قبل أسبوع فوق الخليج العربى. وتحدث الجميع عن رد أمريكى محتوم، وهدد ترامب برد قد يمحو إيران من الوجود، وفجأة تم الإعلان عن أنه أوقف الضربة قبل تنفيذها بعشر دقائق، والتبرير أن هناك مدنيين كثيرين سوف يسقطون، وبعدها مباشرة دعا قادة إيران إلى حوار مباشر وفورى، وفى اليوم التالى فرض عقوبات جديدة على إيران وقادتها ومرشدها، وهدد أى دولة تستورد منها النفط.
تلك هى ملامح سريعة من «سياسة حافة الهاوية الترامباوية». بالطبع هى تحقق نتائج جيدة حتى الآن جدا لمصلحة ترامب وأحيانا للاقتصاد الأمريكى، لكن السؤال: هل هى سياسة مضمونة النجاح فى كل مرة؟!