بقلم : عماد الدين حسين
أتفق تماما مع ما ورد فى مقال الدكتور محمد الباز، رئيس مجلسى الإدارة والتحرير لجريدة «الدستور» فى عددها، أمس الاول، وجاء فيه ما يلى..
«لابد أن تتحرك الحكومة وبأقصى سرعة لاستيعاب غضب واحتقان قطاعات من الشعب، أضيرت من سياسات الإصلاح الاقتصادى، فهؤلاء صيد سهل جدا يمكن استخدامهم بسهولة وتحويلهم إلى براميل بارود سرعان ما تنفجر فى وجوهنا».
كلام الباز جاء فى إطار عرض أوسع للمظاهرات التى اندلعت فى عدة مدن مصرية مساء الجمعة الماضية، وحذر خلالها من دعاة التخريب وسماسرة الفوضى وتجار الإشاعات.
حرصت على الاستشهاد والبدء بكلام محمد الباز، لأنه أولا كلام شجاع، وثانيا لأنه لا يمكن لأحد أن يشكك فى موقفه الداعم للدولة المصرية، وللرئيس عبدالفتاح السيسى.
يوم السبت كتبت فى هذا المكان أناشد الحكومة بضرورة «التفريق بين الإرهابيين والمعارضين الوطنيين»، واليوم أواصل مناشدة الحكومة وأجهزتها بضرورة التفريق بين متظاهر الجماعات والتنظيمات الإرهابية والقوى المتطرفة من جهة، وبين المتظاهرين العاديين الذين سحقتهم سنابك عملية الإصلاح الاقتصادى من جهة أخرى.
المتظاهر المتطرف، لا يؤمن أصلا بفكرة الدولة، هو حينما يتمكن من النزول للشارع، يريد إما العودة للحكم أو الانتقام، حتى لو أدى ذلك إلى هدم الدولة بأكملها، ومن يتابع تعليقات وكلمات غالبية هؤلاء على السوشيال ميديا، فإن بعضهم لا يزال أسيرا ليوم ٣ يوليو ٢٠١٣، ويؤمن بأنه ينبغى استكمال فترة محمد مرسى رغم وفاته!.
هذا المتظاهر يريد فعلا «جنازة ويشبع فيها لطم» وأتفهم تماما هذا الشعور الذى يتهم الشعب المصرى بأكلمه بأنه خان الجماعة.
المواطن العادى الذى تظاهر يوم الجمعة، لا يريد هدم الدولة، بل ربما فكر فى شىء واحد وهو «حاله الذى لا يسر عدوا ولا حبيبا». عملية الإصلاح الاقتصادى كانت من وجهة نظرى حتمية، لكن كان منطيقا أيضا أن يكون لها ضحايا كثيرون، إضافة إلى بعض الأخطاء فى عملية تطبيقها.
وبعد التعويم كان طبيعيا أن يدفع الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة ثمنا فادحا لهذه الخطوة، حينما يشكو المواطن أو يئن من دفع الثمن، فعلينا أن نعذره ونقدر همومه ومشاكله، وكان ينبغى على أجهزة الدولة وكذلك على وسائل الإعلام أن يشرحوا لهذا المواطن الأمر، ويخبروه بفترة زمنية فعلية وليست متغيرة تتحسن فيها أموره، وكان ينبغى أيضا أن تكون هناك أولويات اقتصادية مختلفة تعمل على زيادة فرص العمل والإنتاج الصناعى.
أعرف كثيرا من الناس نزلوا فى ٣٠ يونيو، ودعموا الرئيس السيسى فى كل الانتخابات والاستحقاقات الدستورية، لكن حياة بعض هؤلاء تعرضت لضربات ساحقة بفعل الإصلاح الاقتصادى، هؤلاء يؤيدون ويعارضون بناء على أحوالهم وظروفهم الاقتصادية وليس لهم مواقف أيديولوجية ثابتة.
كل الكلام السابق أكتبه لكى أصل إلى صلب الموضوع، وهو ضرورة أن تتنبه أجهزة الدولة المختلفة، خصوصا الأمنية إلى عدم وضع المتظاهر المتطرف فى سلة واحدة مع المواطن المغلوب على أمره، حينما يفيض به الكيل ويخرج منتقدا أوضاعه الاقتصادية المتردية.
المتطرف لا يريد إلا الانتقام. وهو مستعد فعليا للتحالف مع الشيطان من أجل تحقيق هدفه، فى حين أن المواطن البسيط أو العادى لا يريد إلا الحد الأدنى من الحياة الحرة الكريمة التى تنتشله من وهدة الفقر الذى صار ثلث المصريين يعيشون أسفله، طبقا للبيانات الرسمية الأخيرة من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
الخطأ الفادح أن يتم التعامل مع كل معارضى الحكومة خصوصا من نزلوا للتظاهر فى الأيام الأخيرة باعتبارهم جميعا من الإخوان، حدوث ذلك يعنى بوضوح أننا نقدم هؤلاء المواطنين البسطاء الذين يشكون من سوء أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية هدية على طبق من ذهب إلى جماعة الإخوان وإلى بقية التنظيمات الإرهابية.
«الجماعة» تحاول الدخول فى المشهد السياسى بكل الطرق منذ خروجها فى ٣ يوليو ٢٠١٣، وللموضوعية فإن غالبية القوى السياسية ترفض إدماجها، وبالتالى فلا ينبغى على البعض ــ بحسن نية شديد ــ أن يحقق لها ما عجزت عنه طوال السنوات الست الماضية.
السؤال الجوهرى: ما الذى ينبغى على الحكومة أن تفعله كى تمنع هذا الالتحام بين الجانبين؟!.